توفي أبوه في رابع يوم من ولادته. تشاءمت جدته لأبيه من تسميته باسمه، وأقسمت بالله جهد أيمانها ما حد يسوي له كبارة، ثنّت ركبها أمام شايب لا يحل ولا يربط. حاول ثنيها عما عزمت عليه. انتهرته فارتجف، وقالت «افلح عني كذيه، والله ما تشوف منه خير»، وأضافت قد قاله المقوّل «يا من تدوّر لك على شر. ربّ اليتيم وإلا ولد أختك». أقنعها الشايب بعد طول مناكفة كلامية أن يختّنه ويذبح شاة. وافقت على مضض واشترطت ما يأخذ من غنمها. حضر المطهّر بحقيبة صغيرة، وطلب من الأم تولّع الطباخة، اختار قدراً صغيراً، وأخرج سكيناً، وضعها في الماء المغلي، وتناول أداة أشبه بالزرادية، طفرت دماء سوداء والجدة تردد اقطعه لا رحم. أخذ الجدّ جلدة مقطوعة وخرج بها لدفنها في أعز البلاد. لحقته أسفل الدرج وبكاء المولود يملأ الساحات المجاورة، وقالت: ادفنها في الدمنة. قال الجد: يا مخلوقة طهرت الولد بادفنها في الركيب المسقوي جنب البير. رفضت: وطلبت منه أن يناولها فألقت بها للقطط. الأرملة النفاس تئن. والشايب في البداية يحاول التقاط موجة المذياع. والمولود يغفو. ويصحو صارخاً. والجدة ما تسعها ثيابها كلما سمعت الصراخ رددت «آهو لهم، تحارفت على ولدي، الله يجعل بقعا تتحارف عليك». والشايب: يحتج: سمي بالرحمن لا تنذرين بولدنا. فترد عليه: إنته هلامة. والله لبعد يقطر الدميا في عينك. وكلما نظر إليها وحندرت فيه نكّس رأسه. بلغ الصبي اليتيم العاشرة. دعوه ثلاثة من أقرانه ليسرح معهم يتشرعون في البير. قال: ما أعرف. فقالوا بنعلمك. جردوه من ثوبه. وربطوا جالونا فارغا على ظهره. وطلبوا منه يضع من الريق في أذنيه. قال كبيرهم ردد معي «تحليلة أمي وأبي في الجنة، أشهد شهادة عني وعن والديه، وعن من له حق عليّه، تنقلني من الشمس للفيّه». ثم دفعته يد خشنة، فتصاعدت فقاقيع. انتظروه يطلع عليهم ما طلع فهربوا، حزنت القرية بكاملها. فيما كانت الجدة تشيع أنه التقطه (عبد البير)، وبعد عشرين عاما كانت سيارة فارهة تدخل القرية، وأعين الجميع معلّقة بكائن جميل يطل عليهم. علمي وسلامتكم.