اشتغلت ولا تزال تشتغل ماكنة الإعلام القطري منذ اتخذت الدول العربية المتضررة من سياسات قطر في دعم الإرهاب قرار المقاطعة وإغلاق الحدود بوجهها. استمرت هذه الماكنة الدعائية ومعهم أبواق الإخوان المفلسين على قضية واحدة وهي التركيز على أن هذه المقاطعة هي حصار ظالم وقاسٍ ومدمر للناس في معاشهم وأرزاقهم، وتحاول أن تصور دولة قطر بأنها الضحية المسكينة والوديعة لقسوة إخوتها وجورهم عليها، في محاولة لتشتيت الأنظار عن المطالب والمتطلبات المتوجبة عليها في التوقف عن دعم الإرهاب وتمويله ونشر الفتن وتحطيم بنية الدول في المنطقة وإيواء الإرهابيين. ليس هذا ما أردت أن أكتب عنه، إنما فقط أردت أن اختصر رسالة صديق من بلاد الرافدين أرسلها لي تهكما على قطر ونواحها وبكائياتها المستمرة منذ شهرين قمريين بأنها محاصرة وتعاني من ظلم ذوي القربى، فيقول: هل يمكن لي أن أسدي توضيحا للإخوة الأعزاء في قطر مساهمة بسيطة لوجه الله في شرح مفهوم الحصار تطبيقياً وليس نظريا وفلسفيا كما يجري على ألسنة مريدي قناة الجزيرة ومحلليها، ومثلما قالت العرب في الأمثال (اسأل مجرب ولا تسأل حكيم). الحصار كما اكتوينا بشظى لهيبه لثلاثة عشر عاما في العراق يعني أن ترتفع أسعار السلع والبضائع بصورة خيالية يرافقها انهيار مريع في قيمة العملة المحلية بحيث إن توفرت في الأسواق فلا يمكن لك أن تلمسها إنما أن تنظر إليها فقط لأنها خارج متناول اليد بسبب أن سعر صرف الدولار الواحد من العملة الخضراء سوف يساوي ألفي ريال قطري أو أكثر وأن حليب الأطفال والرز التايلندي والدقيق والسكر سيتم توزيعه على السكان بموجب البطاقة التموينية التي سيكون الاحتفاظ بها أهم من أية وثيقة أخرى مثل جواز السفر أو بطاقة الإقامة الدائمة لمن سيحوز عليها في قادم الأيام والكميات على قدر حاجة الفرد أو بالكاد تسد احتياج ثلاثة أسابيع من الشهر وكل مفردات البطاقة تخضع لرقابة وإشراف منظمات دولية بموجب مذكرة تفاهم مع الأممالمتحدة تسمى لأغراض هذا الموضوع (الغاز مقابل الغذاء) وعلى المواطن القطري الذي استبدل زبادي ومنتجات ألبان المراعي التي كانت تأتيه بالشاحنات المبردة من السعودية وأصبح يتناول بدلها الألبان التركية التي تصل طازجة إلى المولات بواسطة أسطول عملاق من الطيران القطري أن يعرف أن هذه المنتجات في ظل الحصار ستعد من الحاجات الكمالية التي لا لزوم لها، كما أن الذي كان يتنقل من الدوحة بواسطة الطيران القطري ليتبضع من أسواق باريس أو يتعالج في هيوستن أو يذهب في سبيل رزقه إلى كاثماندو عاصمة النيبال بالنسبة للعمال النيباليين الثكالى ضحايا مشاريع أوليمبياد كأس العالم التي زادت من نشوة الحمدين ونرجسيتهما، كل هؤلاء عليهم تحت وطأة الحصار أن يوطدوا أنفسهم على ركوب اللنجات الإيرانية أو زورق بحري لنقل الركاب إلى بندر عباس أو غيره من الموانئ الإيرانية في رحلة لا تقل عن عشر ساعات ليستقلوا بعدها الطيران الإيراني والتعود على فضيلة الصبر في التعاطي مع تأجيل الرحلات أو إلغائها وكل إلى وجهته إن ظفر بمقعده في طائرة إيرانية أن يستعين بالدعوات الصالحات وبركات دعاء الوالدين ولا ينسى ترديد دعاء المسافر خشية من سقوطها بسبب اهترائها وقدمها أو أن تتعطل الرحلة أصلا بسبب انفجار أحد إطارات الطائرة القديمة وعليه أن يعيد الانتظار مع اغا شمخاني والملالي. الحصار أيها الأحبة في قطر الغالية -الذي لا أتمناه لأي إنسان في العالم لأنني اكتويت بنيرانه كما جاء في رسالة الصديق- يعني أن يصلك التيار الكهربائي في عز الصيف أربع ساعات، وما تبقى تستطيع أن أسعفتك قدرتك المالية أن تشترك بالمولد الكهربائي للحي أو الزقاق، والحصار يعني أن تقوم بتأخير وجبة الغداء إلى العصر كي تستطيع أن تلتف على وجبة العشاء وتنساها. أما أن تتناول الفراولة الماليزية وتشرب اللبن التركي وتحتسي الشاي عصرا مع المعجنات التركية أو تتناول الآيس كريم فهو ليس حصارا يا إخوان على قول المهرج القطري عبدالله العذبة. ويختتم الصديق العراقي رسالته متندرا من الضحك يا أخي إن كان هذا ما تشكو منه قطر الآن حصارا فأهلا ومرحبا بهكذا حصار سياحي يتضمن اختيارات عديدة للمرء أن يتناول ما اعتاد عليه وزيادة.