الثاني من شهر أغسطس العام 1990 كان حصة سياسية عميقة في العلاقات الدولية والعلاقات العربية، تعلمنا فيها كيف يكون قادة الدول كالفرسان، وكيف تطعن الدول جيرانها.. كيف يأكل القوي الأقل قوة منه. علمنا الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز كيف تكون السياسة موقف ووفاء أكثر من براغماتية. كان الخطاب الشهير للملك فهد مدرسة في الأخلاق السياسية، وتجسيد مفهوم التضامن العربي والأمن الإقليمي، حين قال «ما في شي اسمه الكويت والسعودية.. نعيش سوا أو ننتهي سوا»، عبارة لخصت الموقف السعودي على كل المستويات، حين حشدت المملكة آنذاك الجهود العربية والدولية لإعادة التوازن إلى الشرق الأوسط، بعد أن أخل العراق بالتوازن الأخوي قبل التوازن الدولي. اليوم مضى 27 عاما على حرب الخليج الثانية، 27 عاما على جرح ما زالت نتوءاته واضحة المعالم في الجسد العربي والخليجي، بل ذهب البعض إلى اعتبار ذلك التاريخ نقطة تحول في العلاقات الدولية والعربية. في 2 أغسطس 1990 وما تبعها، فهم العالم السعودية أكثر، كانت التجربة خير برهان على الموقف السعودي، وفهم العرب أيضا معدن شقيقتهم، فهم السعوديون وفاء قادتهم، حين قال الملك فهد (رحمه الله): «كل السعوديين يوافقونني أننا والكويت بلد واحد»، كانت عبارات عميقة في معانيها الجيوسياسية، تنم عن فهم اجتماعي وتاريخي لدول الخليج، الأمر الذي لا تفهمه الآن الكثير من الدول. أكثر ما كان يبعث على الألم في غزو الكويت مشهد الدبابة التي تجول شوارع حولي والكويت والفروانية، مشهد بحر العرب الذي تحول إلى بقعة سوداء، مشهد الهروب الجماعي من جحيم الجيش العراقي في الكويت. لكن السعودية أبت أن تستمر تلك المشاهد، وتقدم الملك فهد (رحمه الله)، فيما مهندس السياسة السعودية الخارجية سعود الفيصل يجول العالم كالمكوك ليقلب الطاولة على النظام العراقي.. ولم تمض سنة حتى عادت الكويت للكويتيين، وبقي درس الملك فهد منحوتا على صخرة دول مجلس التعاون الخليجي.