لا أشك في أن كثيرًا من القُرّاء الكرام واجهوا -أكثر من مرة- أمثلة لأُناس يمكن أن ينطبق عليهم المثل الشعبي المعروف: «الحُكْم فرحة ولو على فرخة»، ويقال وصفًا لبعض صغار العقول ضعاف النفوس عند توليهم مناصب، أو تعيينهم مسؤولين لخدمة الناس وقيامهم بالأعباء المنوطة بهم، فتجد أحدهم مُفرِطًا في الانتشاء، مُبالغًا في الفرح، مُستشعرًا الزهو والفخر الكبيرين، على الرغم من صغر حجم مسؤوليته، وتواضع خبرته، ووضوح الإجراءات النظامية المرتبطة بوظيفته، فلا يستقر له حال إلا بممارسة تسلّطه على ضعاف الناس، وتعقيد معاملاتهم وتأخير إنهائها دون داعٍ ولا أسباب مُعتبرة، إلا لإعطاء المُراجعين شعورًا بأهميته الوظيفية، وحساسية عمله في الإجراءات الروتينية، فهو ينتشي باحتياج المراجعين لدوره، ويبتهج بمعاناتهم، ويسعدُ برجاءاتهم المتكررة للقيام بمسؤوليته وإنهاء مُعاملاتهم. إن من المصائب الإدارية والجلْطات الوظيفية، توليةُ شخصية غير سوية شؤون الناس ومصالحهم، فصاحب هذه الشخصية مهزوز الثقة، نرجسيُّ الطباع، متضخّم الأنا، لا خَلاق له، يهوى إيذاء الناس من حيث يُفترض أن ينفعهم، ويستمتع بتعطيل شؤونهم عوضًا عن تسهيلها، مهووسٌ بلفت النظر إليه بأي وسيلة، وهو هنا موظفٌ بمنصبٍ متواضع، فكيف الحال لو تبوّأ موقعًا قياديًا في السلّم الوظيفي؟!!. وشخصيًا لا أعلم بالتحديد كيفية الخلاص من مشكلة كهذه، في ظل قصور الرقابة الإدارية وانتشار الفساد في مُعظم المجتمعات الوظيفية، لكني أُعيد مُطالبتي بضرورة تفعيل دور المختصين الاجتماعيين والنفسيين وأطباء الأمراض النفسية في أماكن العمل بالمؤسسات الحكومية الخدمية، إضافة إلى المدارس والجامعات، لإجراء تقييمٍ نفسي دقيق، ورصد الاضطرابات الشخصية والأمراض النفسية لدى الموظفين وبخاصة المسؤولين في إدارة كبيرة من العاملين، المُعيّنين لقضاء حاجات الجمهور، أو تدريس طلاب العلم، لمساعدتهم على علاج اضطراباتهم المزاجية والسلوكية، وحماية من لا ذنب له من الناس، فبتطبيق هذا المُقترح بشكل مستقلّ ومهني وفعّال، الله وحده يعلم كم سيظهر لنا من أنصاف المجانين، وأصناف المهووسين، وأعداد النرجسيين المُعتلّين فكريًا ونفسيًا!!. [email protected]