تنقسم المجتمعات في عالمنا إلى حية لا ينفك عنها الحراك الدائم والتطور، ومجتمعات تتوهم أنها في ذات الحراك، ومجتمعات هادئة تغفو فترة وتصحو في أخرى ثم تَعود إلى غفوتها، ومجتمعات خاملة أقرب إلى أنها تعيش في سبات عميق. كانت المملكة تعاني مخاضا عسيرا مُنذُ تأسيسها وحتى بداية السبعينات الميلادية والتي بدأ في تلك الفترة ارتفاع أسعار (البترول) وأصبحت السلعة التى تخطب ودها جميع دول العالم وعلى رأسهم أمريكا، وغدت شريان حياة يقوم عليها كل شيء وفي جميع المجالات، نعود إلى ذلك المخاض وهو بناء شكل الدولة السعودية المعاصرة، صحيح أن تكوين المملكة بدأ قبل ذلك بخمسين عاماً، ولكن الدول تُبنى بتوافر الموارد وقبلها العقول التي تُدير ذلك، حاول آباؤنا الأوائل بناء دولة التأسيس بكل جهد ولكن كان المضي في ذلك بخطوات بطيئة نظراً لافتقادهم للعوامل المساعدة لاكتمال ذلك البناء؛ ومرده ضعف الموارد وعدم وجود الكوادر البشرية المؤهلة لتلاشي سابقا أي أثر للتعليم النظامي إلا في حواضر قليلة في الجزيرة العربية لا تذكر، والمعاناة من مجتمع مُغلق أمام أي جديد يأتيه من الغرب أو الشرق، وزاد الطين بلة عدم الاتصال لقرون عديدة بالحواضر الإسلامية وغيرها إلا باستثناء قوافل تتردد على تلك الحواضر، ولم يكن بوسعها نقل علامات أو ملامح الحضارة من هناك إلى مجتمعاتها، واكتفت بجلب بضائع بسيطة لغرض ما يسمى تجارة؛ وفي الحقيقة هي لسد الأفواه الجائعة في الجزيرة. وكذلك عدم وجود نظام صحي يحفظ حياة البشر من الأمراض التي أودت بالكثير، إضافة إلى انعدام وجود حركة فكرية وثقافية يتم الاستناد إليها في بناء مجتمع متنور يتفاعل ويؤثر في محيطه، ولن أسهب في ذلك لأن الجميع يعرف ما كان عليه حال بلادنا قبل التأسيس، وزاد من صعوبة المهمة بعده ظهور مشاريع سياسية في دول مجاورة ناصبت العداء لبلدنا، مدعومة من بعض الدول الكبرى، وهذا أخذ الكثير من الوقت والجهد والمال في مواجهتها. في اعتقادي البداية الحقيقية لبلدنا العزيز السعودية بكل مكوناتها في بداية السبعينات الميلادية وبعد ارتفاع أسعار البترول. ولكن من فترة السبعينات وبعد توافر الموارد المالية بفضل السلعة الذهبية (البترول) وحتى الآن ماذا أنجزنا؟ كان الرد على هذا السؤال سريعاً من صاحبي الذي يجلس بجواري، قائلا أنظر حولك وأمام ناظريك ألا ترى المدارس والجامعات والمكتبات والبيوت والفلل والقصور والبنايات والأسواق متعددة الأشكال والألوان وعلى أخر طراز معماري، وأيضاً المصانع والطرق السريعة، وقوة الاقتصاد ووو... إلخ. قلت له إنني أعلم عن ذلك كله، ثم عاود الكلام وصرنا من دول العشرين الاقتصادية، وتأهلنا لكأس العالم في كرة القدم أربع مرات، وعندنا أيضاً برج المملكة والفيصلية ومهرجان الجنادرية وبرج الساعة بجوار الحرم المكي، وطلبت منه بشكل حازم السكوت حتى أوقف هذا السيل من الكلام!، وبعدها أستعطفته أن يهدأ ويسمعني لدقيقة، إنه في خضم هذه الإنجازات التي قلتها لي وأنا أبصم لك على ذلك، وهناك الكثير من الإنجازات لم تذكرها، ولكن سوف أسألك أين موقع الإنسان السعودي أنا وأنت وهذا وذاك مما تقول؟ وما هو مقدار ما تم فيه من استثمار ونوعيته؟ لأن كل ما قلته لي يتمحور على هذا الإنسان ولا يستقيم إلا به، نعم دُفعت أموال طائلة لا تحصى من الدولة أعزها الله في تعليمه وتدريبه وتأهيله، وأرى أن هذا الأمر لا يغيب عن قيادتنا الرشيدة ورؤية 2030 والتي تبناها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في أن الإنسان والشباب منهم هو عماد كل حضارة وهو مفتاح كل تطور. * باحث في الشأن السياسي والاجتماعي