منذ اكتشاف النفط في المملكة في عام 1933 ميلادي، الى تاريخنا المعاصر، قفزت المملكة قفزات نوعية وكمية في النهضة نقلتها من كونها دولة صحراوية مترامية الأطراف صعبة التضاريس، الى واقعها الحالي كأهم دولة في سوق النفط العالمي، كونها تتربع على اكبر احتياطي للبترول في العالم، بالاضافة الى دخولها نادي أغنى عشرين دولة في العالم (G 20). منذ ذلك الحين، ارتبط اسم المملكة العربية السعودية بالنفط وأصبح هذا الذهب الأسود جزءا من المفردات التي يستخدمها المجتمع السعودي في حديثه سواء كان هذا نقاشا عابرا لرجل سبعيني على مائدة الطعام مع أسرته، او كان نقاشا لمجموعة من العشرينيين مع بعضهم البعض محاولة منهم لإظهار أهمية بلدهم على المستوى العالمي. ومما لاشك فيه ان البترول هو سلعة حيوية ومهمة للاقتصاد العالمي ونعمة من اكبر النعم التي حبى الله بها بلاد الحرمين، وأهميته لا تخفى على احد خصوصا ونحن نتداول في الفترة الاخيرة تداعيات تراجع أسعار النفط على الاقتصاد العالمي. ولكني، وبعد هذه المقدمة، لست بصدد الحديث عن البترول الذي ينضب وهو النفط، ولكني اقصد الحديث عن البترول الذي لا ينضب الا وهو الموارد البشرية. لست مُنظّراً ولا حالماً كما يتبادر الى ذهن البعض عند قراءتهم لهذه السطور، ولكن هنالك أمثلة عديدة من الشرق او الغرب على الفوائد الجلية والمنافع الكبيرة للدول والمجتمعات والتي تترتب على الاستثمار في تطوير الموارد البشرية. سأذكر هنا على سبيل المثال دولة كوريا الجنوبية. فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في 1945، خرجت هذه الدولة مثقلة بجراح الحروب، كواحدة من أفقر الدول في العالم. ولكن على مدار الستة عقود الماضية، وفي واحدة من اعظم قصص النجاح والنهضة الصناعية في القرن العشرين، قفزت كوريا الجنوبية في سلم الحضارة والتطور من كونها واحدة من أفقر الدول في العالم الى الاقتصاد رقم 14 على مستوى العالم. اذا اخذنا بعين الاعتبار ان كوريا الجنوبية تفتقر الى مصادر النفط والغاز الطبيعي، يثبت لنا بما لا يدع مجالا للشك ان الاقتصاد الكوري المعرفي والنجاح الهائل الذي حققه لم يكن لولا الاستثمار في الموارد البشرية الكورية. هدفي من كتابة هذا المقال هو، بعد حمد الله وشكره على ما حبى به بلدنا من ثروة النفط وهو البترول، الذي قد ينضب بعد زمن طويل، هدفي هو تسليط الضوء على البترول الذي لا ينضب وهو المواطن السعودي. متى ما استثمرنا في الشاب السعودي والشابة السعودية، وجهّزناهم لسوق العمل وطوّرنا أداءهم ليتناسب والقرن الواحد والعشرين، نكون قد وضعنا المملكة على الطريق الصحيح للاقتصاد المعرفي المبني على الموارد البشرية بالاضافة الى كونها أقوى اقتصاد نفطي في العالم.