يُعرف بين طبقات الشعب الإيراني بتاريخه المرعب، فهو لا يجيد إلا استعمال القسوة في أعنف مستوياتها، ولا تفوح منه إلا رائحة القتل والتعذيب الوحشي، ورغم سمو الرسالة التي يحملها كقاض مهمته إحقاق الحق ودفع المظالم عن المستضعفين فإنه استخدم صلاحيات منصبه في ارتكاب أبشع الجرائم في تاريخ الجمهورية الإيرانية بتوقيعه على إعدام آلاف المعارضين السياسيين لنظام الملالي حتى لقب ب«قاضي الإعدامات»، و«آية الله القتل العام» في دلالة واضحة على تحوله إلى آلة لإصدار أحكام الإعدام ضد من يعتقد أنهم معارضو النظام، إنه إبراهيم رئيسي المرشح الحالي للانتخابات الرئاسية الإيرانية، ذلك المعمم صاحب التاريخ الأمني السري الذي يتمتع رغم كراهية الإيرانيين له بدعم أقوى حلقتين في النظام وهما: المرشد خامنئي والحرس الثوري ذوا النفوذ الطاغي على مؤسسات الدولة، فكيف كانت مسيرة إبراهيم رئيسي مع نظام الملالي حتى اكتسب هذه الثقة التي ترشحه الآن لقيادة النظام نفسه برئاسة الجمهورية تمهيدا لخلافة خامنئي؟ عندما نجحت الثورة الإيرانية في اقتلاع نظام الشاه محمد رضا بهلوي أوائل فبراير 1979، كان رئيسي لم يكمل عامه التاسع عشر، إذ ولد في يونيو 1960، لكنه صُنف بعد تسع سنوات من تفجر الثورة فقط ضمن الأشخاص المقربين من الخميني، وبلوغ رئيسي لهذه المكانة يشير إلى حصوله على تقييمات متقدمه للغاية في الولاء لنظام «ولاية الفقيه» الذي اختلقه الخميني ليحتكر السلطة في إيران. أهلت طاعة رئيسي العمياء للخميني إلى أن يختاره الأخير ضمن أربعة قضاة كلفوا بتنفذ فتواه القاضية بإعدام 30 ألف معارض سياسي صيف عام 1988 في أبشع عملية إبادة شهدتها سجون الجمهورية الإيرانية، وكان منصب رئيسي في ذلك الوقت مساعد المدعي العام بطهران، أما دوره في المجزرة فقد كان ضمن ما عرف ب«لجنة الموت» وشغل فيها منصب رئيس ما سمي بمحاكم الثورة، وأسندت إليه مهمة اعتقال وتعذيب وإعدام أعضاء المجموعات السياسية خاصة عناصر منظمة مجاهدي خلق. يحظى رئيسي بدعم خامنئي والحرس الثوري في الانتخابات، أما أسباب ذلك فتعود إلى الشعور المتزايد لهذين القطبين المتنفذين في السلطة بأن «ولاية الفقيه» ماتت من الناحية العملية وباتت الحاجة ملحة لإحيائها ورئيسي أفضل من يقوم بالمهمة استنادا إلى سجله في خدمة النظام، وبالفعل عند النظر إلى الفكرة الأساسية لبرنامج رئيسي الانتخابي نجدها تقوم على إعادة هيكلة منظومة السلطة من منظور «ولاية الفقيه» من خلال دمج صلاحيات مؤسسة الرئاسة وغيرها في مؤسسة «ولاية الفقيه» بهدف تحويلها إلى سلطة مطلقة تحتكر كل الصلاحيات في النظام السياسي في الدولة بما يتطابق مع الصيغة التي وضعها الخميني لها، وهذا يعني اتساع وتيرة استخدام العنف والقمع ضد الشعب الإيراني والاندفاع إلى أقصى مدى لتصدير الثورة الإيرانية والإخلال بالنظام الإقليمي تحقيقا للطموحات الصفوية بالهيمنة على المنطقة.