ما زال المراسل الصحفي العربي (المتخيل) يحاول أن «يستنطق» الغرب المتنفذ، ويحصل منه على إجابات حقيقية وصادقة لأسئلته، ومنها سؤاله عن حقيقة دعم هذا الغرب للكيان الصهيوني الذي زرع في قلب العالم العربي منذ عام 1948م، ليسهم في زعزعة أمن واستقرار المنطقة العربية، ويشغلها بالصراعات، ويعيق تقدمها، وازدهارها.. أو -على الأقل- يسهم في إعاقة تقدمها وازدهارها، ويكرس تخلفها. لهذا التأييد المشؤوم عدة أبعاد، يمكن تبين بعضها من إجابة هذا الغرب الصريحة على سؤال المراسل: لماذا يتسابق الغرب المتنفذ على تأييد ودعم إسرائيل، رغم جرائمها المعروفة؟! * الغرب المتنفذ: لا يزيد عدد اليهود في العالم على 16 مليونا، 9 ملايين منهم من «الأشكناز» (يهود الخزر) وهم اليهود الذين لا صلة لهم تذكر بالمنطقة العربية (الشرق الأوسط)، أجداد هؤلاء من منطقة بحر قزوين، وتهودوا في القرن التاسع الميلادي. وهاجر كثير من أحفادهم إلى الغرب، ليكونوا معظم الجاليات اليهودية الحالية في الغرب. وهناك حوالى 7 ملايين من يهود ال«سفارديم»، وهم من أبناء المنطقة العربية، ولكن صلتهم بفلسطين لا تبرر أن تكون فلسطين دولة لهم.. ناهيك أن يكون ل«الأشكناز» حقوق سياسية بفلسطين. بل ولا يوجد مبرر قوي بأن تكون لليهود بعامة دولة.. فهم ليسوا قومية واحدة، بل اليهودية ديانة، ولا مانع من انتشارها في عدة دول، كما هو حال بقية الأديان الرئيسة في العالم. * ومضى الغرب المتنفذ قائلا: نحن نعي كل ذلك، ولكن هناك مصالح لنا تتطلب القفز على هذه الحقائق وتجاوز قيم العدالة والإنصاف والحقوق المشروعة؟!.. هناك، بالطبع، فرق بين «اليهودية» و«الصهيونية». صحيح أن معظم اليهود صهاينة. ولكن، هناك ما يقدر بحوالي 20% من اليهود في العالم الذين يناوئون الصهيونية، ويعارضون قيام دولة يهودية عنصرية، وعلى حساب شعب بأكمله، ناهيك أن تصبح هذه الدولة قوة ضاربة ضد كل العرب. *** ومع ذلك، أردنا إقامة إسرائيل في فلسطين، ليس حبا في اليهود، ولكن نكاية في العرب.. وردعا لهم. ولتكن إسرائيل «وسيلة» رئيسة وفعالة لتحقيق أهدافنا بالمنطقة. هناك حوالي تسعة ملايين يهودي يقيمون خارج المنطقة العربية، والغالبية الساحقة منهم يعيشون لدينا في الغرب، كمواطنين.. لهم ما لنا، وعليهم ما علينا. وكما هو معروف، فإن اليهود يهيمنون على مفاصل الحياة في الغرب، خاصة في مجالات المال والإعلام والتعليم. لا توجد، في الواقع، مجموعة عرقية صغيرة أخرى في العالم، لها ما لمجموعة اليهود الصغيرة العدد من نفوذ مالي وسياسي هائل، وعابر للقارات. في أغلب الأحيان لا يمكننا تجاهل ضغوط هذه الأقلية المتنفذة، التي لا ننكر أن لها بعض السيطرة علينا. ولكن هيمنتنا عليها مؤكدة. صحيح، إن من أهم أسباب دعمنا لإقامة الكيان الصهيوني، هي الاستجابة لضغوط الحركة الصهيونية، ورغبتنا في أن يكون لليهود وطن يذهبون إليه، بدل التواجد في بلادنا. ولكن، لعل أهم الأسباب التي دفعتنا لدعم إسرائيل هي: إيجاد قاعدة متقدمة لنا في قلب العالم العربي.. نستغلها -بطريق مباشر وغير مباشر- لتحقيق أهدافنا بالمنطقة. وحتى اليوم، ما زلنا نشكر قادتنا السابقين على إقامة هذا الكيان، ونشيد ببعد نظرهم، وتصميمهم على إنشاء إسرائيل.. لتقوم بهذا الدور الاستراتيجي لصالحنا. نحن لا نوافق على بعض سياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين والعرب، وعلى جرائمها المعروفة، ولكننا لا نملك إلا أن نؤيدها. فلولا دعمنا المطلق لهذه الإسرائيل لزالت منذ سنوات.. تركنا لقادة إسرائيل (وهم، مع الأسف، من غلاة الصهاينة الأشكناز الحاقدين على العروبة والإسلام، والحانقين على معظم الغرب) إدارة شؤونهم الداخلية كما يرون ذلك مناسبا. وأحيانا نحتاج للجم هؤلاء عن التمادي في الغطرسة والعربدة في المنطقة. لكننا، في كل الأحوال، ملتزمون بدعم إسرائيل، وضمان بقائها وازدهارها. فهي، بالنسبة لنا، «كنز استراتيجي» مهم. * المراسل الصحفي: وماذا بعد أن قبل العرب وجود إسرائيل، شريطة إقامة دولة فلسطينية مستقلة وقائمة بذاتها، ولماذا لا تضغطون على إسرائيل التي ترفض ذلك، لإنفاذ هذا الحل؟! * الغرب المتنفذ: نحن أيضا مع «حل الدولتين».. ولكننا نترك لإسرائيل اتخاذ القرار الذي تراه مناسبا في هذا الشأن الوجودي. ولم يجد، حتى الآن، ما يدفعنا للضغط على الحكومة الإسرائيلية، كي تقبل بهذا الحل الذي أقرته غالبية المجتمع الدولي. ولذلك، سنمضي في محاباة قادة إسرائيل، حتى إشعار آخر. ولهذا الحديث صلة بالطبع.