إن التعاملات التجارية بين الناس ينشأ عنها في بعض الصور ديون مستحقة، وهذه الديون قد يلجأ البعض لتأجيل المطالبة فيها، وقد يكون هذا التأجيل لأسباب حسية وقد يكون لأسباب معنوية ترجع مصالحها للدائن صاحب الحق والمطالبة، وقد يكون الطلب في حينها ضرراً عليه، لذلك فإن سقوط الدين أو بطلانه يقوم على أساس قرينة الوفاء أو البينة في الشرع، إلا أن التقادم المسقط للحقوق في القانون الوضعي يقوم على أساس مضى الزمن فقط وهذا لا يجوز شرعاً، يقول ابن نجيم رحمه الله: الحق لا يسقط بتقادم الزمان قذفاً أو قصاصاً أو لعاناً أو حقاً للعبد، فمن كان له حق من ذلك جاز له التقدم للمطالبة ولو كان بعد سنين كثيرة وقد ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كانت له مظلمة لأحد من عرض أو شيء فليتحلله منه قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه» رواه البخاري وغيره. أما ما ورد عند بعض أهل العلم من عدم قبول الدعوى وسماعها إذا مر عليها زمن طويل، وهو ما جرى عليه العمل في بعض البلدان من تحديد مدة لرفع الدعاوى وهذه المدة تختلف بحسب البلدان وحسب نوع الدعوى، فهذا فيما إذا لم يذكر المدعي مانعاً يمنعه من المطالبة من خوف سلطان أو ضرر على مصالحه أكبر من طلبه فيقوم بتأجيل مطالبته ولو لثلاثين سنة أو أكثر حتى يأتي الوقت المناسب للمطالبة، ومما لا شك فيه شرعاً أن الديون لا تسقط بالتقادم لعموم أدلة الوفاء بالدين فلم تقيد المطالبة بثلاثين أو خمسين أو مئة سنة لا سيما مع وجود قرائن وأسباب مؤثرة لتأخر المطالبة، لذلك فإن التعجل في رد الدعوى فقط لتقادمها يلحق ضررا بأصحاب الحقوق أهل الأعذار. وفق الله قضاتنا لما يحبه ويرضاه.. والله الموفق. * القاضي في المحكمة العامة في جدة سابقا