يترقب الشارع الرياضي بشغف خلال الأيام القادمة تطبيق القوانين واللوائح، التي من شأنها أن تزيل ظاهرة التعصب الرياضي من الساحة والمشهد الإعلامي؛ فقد تابع الجميع ما صدر أخيرا من قرارات من مجلس الوزراء الموقر، وهو قرار مهم جدا فيما يخص الحد من ظاهرة التعصب الرياضي التي ستعمل لأجل التحكم والسيطرة والقضاء على تلك الظاهرة «التعصب الرياضي»، الذي زادت حدته أخيرا على الساحة الرياضية والاجتماعية كذلك. ويمكننا القول إنه لا يوجد تعريف واحد متفق عليه للتعصب الرياضي، فهناك من يعرفه بأنه الإفراط والمبالغة في حب فريق معين بصورة تتغلب بها العاطفة على العقل، بينما يعرفه موقع ويكيبيديا بأنه كل حالة تطرف في الآراء لصالح ناد رياضي ضد ناد آخر من الدولة أو المنطقة نفسها، وعادة ما يكون مصحوبا بالإساءة والاستهزاء والسخرية والاتهامات والتجريح غير المبرر، مما يقضي على جمال اللعبة الرياضية والتنافس الشريف. وتعد ظاهرة العنف في المجال الرياضي من الظواهر الاجتماعية والنفسية التي ظهرت في المجتمعات منذ بداية الرياضة، ولكنها بدأت تشكل خطرا على الأرواح والممتلكات ووحدة المجتمع في وقتنا الحالي، ولعل ما حصل من أحداث خلال الفترة الماضية من حوادث عنف وشغب رياضي راح ضحيتها عشرات الأنفس البريئة يدق ناقوس الخطر ويدعو إلى ضرورة التصدي لها بكل قوة وحزم باستخدام التوعية والتوجيه ومحاربة جميع الأسباب التي تقف خلفها، ولعل من أهمها الأشخاص الذين يثيرون الاحتقان والتعصب في وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام بشكل عام. صحيح أن هناك العديد من البرامج الرياضية المرئية وكذلك بعضا من الكتاب ممن يساهمون بقصد أو عن غير قصد في نشر وإذكاء نار التعصب الرياضي خصوصا في وسائل التواصل الاجتماعي نظرا لضعف الرقابة عليها، ولكن في الجانب الآخر هناك بعض الوسائل الإعلامية التي تلعب دورا مهما وفعالا في إذكاء نار التعصب الرياضي أو كما يعتبره البعض الاعتداء اللفظي على الآخرين، عبر الطرح غير المسؤول من فئة تعتبر دخيلة على المجال الرياضي، من خلال استخدام وسائل لا تخضع للمهنية والرقابة، ولعل وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة خير مثال على ذلك نظرا لانعدام الرقابة عليها وصعوبة السيطرة على ما ينشر من خلالها، بل وسهولة التضليل وإخفاء الهوية عبر استخدام أسماء وصور وهمية لبعض من يكتبون بها، وهو مما يصنف تحت الجرائم المعلوماتية. إن الإعلام الرياضي يوثر تأثيرا سلبيا على طريقة التفكير والسلوك والحياة إذا لم يكن هناك التزام أخلاقي قبل الانضباط الرقابي؛ فقد يكون ذلك الإعلام أو بعض الأشخاص المنتسبين له سببا في التعبئة النفسية لممارسة العنف في المجال الرياضي عندما يظهر تحيزه لبعض الأندية الرياضية دون غيرها؛ أو عن طريق التناول بالنقد غير الموضوعي للقضايا والأحداث الرياضية والطرح الصحفي غير الهادف، من خلال بعض الكتابات الصحفية المتحيزة لطرف رياضي على حساب آخر، إذ أكدت العديد من الدراسات أن تنامي ظاهرة العنف في المجال الرياضي بين جمهور الإعلام الرياضي خصوصا الأطفال والشباب يرجع بشكل أساسي إلى تعرض الجمهور لرسائل إعلامية رياضية غير سليمة أو مضللة، وهذا النوع من العنف يميل الجمهور إلى تقليده والتأثر به. ولعل الارتباط الوثيق بين التعصب الإعلامي والرياضة ينبع من أسباب مشتركة؛ فقد أشارت الدراسات العلمية إلى وجود عوامل رئيسية عدة تقف خلف إشعال ذلك الفتيل، ولعل من أهم الأسباب التي توصلت إليها أن الحكام يتربعون على مقدمة تلك العوامل، فكثرة الأخطاء من الحكام أثناء المباريات والأداء السيئ لبعضهم يكون الحجر الأساسي في انتفاخ كرة الثلج، والعنصر الثاني هم اللاعبون أنفسهم الذين يبدأون في لوم الحكم وظلمه لهم والتشكيك به وإطلاق الألفاظ النابية وما إلى ذلك، مما يؤدي إلى احتقان الجمهور، إذ يلعب التعصب دورا مهما وفعالا في غالبية حالات العنف بالملاعب نظرا لما وافقه من استعداد داخلي نفسي واجتماعي لدى الأفراد والجماعات المتعصبة رياضيا. ولعل العنصر الأخير والأساسي هي إدارة النادي الرياضي، وتشمل كل من ينتمي للنادي من إداريين أو أعضاء مجلس إدارة أو أعضاء الشرف. فالعوامل والأسباب التي تدفع بشرارة التعصب الرياضي وتزيد الاحتقان كثيرة، ولعل ما تم من قرارات ضد التعصب الرياضي من قبل الجهات الرسمية، التي سيتم تطبيقها قريبا، يعتبر ضرورة ملحة في ظل تنامي التعصب الرياضي وضرره مستقبلا وخطورته على مستوى الروح الرياضية، التي تعتبر حجر الزاوية في الرياضة ككل ووحدة المجتمع والروح الأخوية بين مختلف أفراده، لأن الفرد السوي المتوافق مع نفسه وبيئته سيتوجب عليه الالتزام بالمعايير الدينية والقوانين الاجتماعية التي تتفق فيما بينها على محاربة التعصب الرياضي، نظرا لخطورته على النشاط الرياضي بصورة مباشرة وعلى الفرد والمجتمع من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن إقرار مثل هذه القوانين وتطبيقها سيكون رادعا لكل من يحاول بث سموم التعصب الرياضي بين الجماهير. ومن ناحية أخرى، فإنه من خلال هذه القرارات والأنظمة الجديدة سنحافظ على الصورة الجميلة والمميزة لكرة القدم وبيئة ملاعبنا الرياضية، وأن نعكس الصورة المشرقة لأخلاق الرياضي المسلم، فالرياضة هي وسيلة لإسعاد الناس وتنمية المودة بينهم، ولذا علينا جميعا أن نقف صفا واحدا مع تطبيق هذه القرارات بأسرع وقت للقضاء على كل ما من شأنه العبث بالروح الرياضية والتنافس الشريف. • كاتب وأكاديمي مؤلف كتاب دعني أشجع فريقي بروح رياضية