البيروقراطية مصطلح يظهر غالباً في سياق نقد العملية الإدارية، خصوصا في القطاع الحكومي، لتعبر بذلك عن التعقيد الإداري. لكن، ماذا تعني؟ وهل هي مناسبة للمجتمع السعودي؟ وإن كانت مناسبة هل ساهمت في حل المشكلة أم زادتها تعقيداً؟ البيروقراطية قدمها للنظريات الإدارية الألماني ماكس ويبر، وهي تعني بكل بساطة النظام، وتهدف لمنح النظام القوة والسلطة المطلقة في الممارسة الإدارية خصوصا ضد المحسوبيات والوساطات والشفاعات. ولذلك وجدت الهيكلة الإدارية المعقدة والممتدة للمؤسسات، وأصبحت سلسلة الأوامر طويلة للغاية لا تكاد تنتهي، فعملية اتخاذ القرار مرهقة لمتخذ القرار ومنتظره. ويزداد الأمر تعقيداً حين يتبعه احتكار للسلطات والصلاحيات الإدارية لدى رأس الهرم الإداري، فالعملية الإدارية تتمحور أساساً حول النظام المحدد مسبقاً، فتحدد الإدارة العليا العمليات الإدارية والإجراءات والسياسات التنفيذية دون إشراك الموظف، الذي سيحاسب على مدى اتباعه للعمليات الإدارية المحددة بطريقة تفصيلية تمنعه من الإبداع، وتعيق في الوقت ذاته كفاءة وفاعلية أدائه الوظيفي لمهامه بسبب عدم فهم الإدارة العليا للعمليات اليومية وعدم قربهم من المستهلكين والعملاء، هذا المفهوم يولي الإنتاجية الاهتمام الأكبر، ويقلل من شأن العلاقات الشخصية وبيئة العمل غير الرسمية، ويرى الإدارة كآلية صارمة تتسم بالدقة، وتهتم بالمقام الأول باتباع العمليات والإجراءات المناسبة لكل شأن إداري. البيروقراطية ليست بالضرورة سلبية -وإن أتت على الدوام في سياق نقد- إذ إنها تسعى لهدم المحسوبيات وتعزيز قوة النظام، فلماذا إذن لا تزال هناك محسوبيات؟ قبل أن أجيب وقبل تطبيق أي نموذج إداري ناجح في مجتمع آخر، لا بد لنا أن نفهم جيداً طبيعة مجتمعنا حتى يتسنى لنا أن نختار العملية الإدارية الملائمة لتجعل منه مجتمعاً منتجاً، البيروقراطية تلغي العلاقات الشخصية، وتعطي الأولوية المطلقة للنظام، وهذا لا يتوافق مع طبيعة المجتمع السعودي وثقافته القائمة على الترابط والتلاحم بين أفراد المجتمع. من كبرى النظريات التي تناولت اختلاف الثقافات هي نظرية هوفستيد لاختلاف الثقافات. من بين الخمسة أبعاد التي تفصل ثقافة كل بلد عن غيرها من الثقافات، بُعد الفردية والجماعية يساعدنا على تحديد النظام الإداري الأمثل. المفهوم البيروقراطي للإدارة يقلل من مشاركة الموظف في عملية التخطيط واتخاذ القرار، ولا يتعدى دوره من أن يكون مجرد منفذ لأوامر فرضت عليه، بينما المفهوم الحديث للإدارة يتمحور أساساً حول الفرد في المؤسسة، فيبحث احتياجاته ويلبيها، ويعطى الفرد استقلالية تمكنه من تحقيق النتائج المرجوة منه بالطريقة التي يراها مناسبة، وتفتح المجال للتنافس المحمود بين الموظفين وتترك مساحة كافية للإبداع، والأهم من ذلك وانطلاقاً من إشعار الفرد بأهميته في المؤسسة وإشراكه في التخطيط ومنحه الصلاحيات المناسبة لتنفيذ ذلك، فإن ولاءه وانتماءه سيكون لصالح المؤسسة وأهدافها التي ساهم في وضعها في الأساس. * محاضر في جامعة شقراء [email protected]