يعيش العالم حكاية الإرهاب الذي تتكرَّر مشاهده الدموية وغير الإنسانية في كل مكان ودون توقف، وكأنه حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة التي تابعناها على أمل الوصول إلى النهاية التي لم نصل إليها حتى يومنا هذا؛ ليظل (الإرهاب) حكاية مؤلمة لطخت جبين البشرية التي لم تعالجه بطريقة صحيحة، ولم تعمل على اقتلاع جذوره قبل تشعّبها وامتدادها لتخريب كل ما ينتمي للحضارة الإنسانية بصلة، حتى تعدَّدت أساليبه لتحقيق غاياته تحت مظلة (حماية حقوق الإنسان) التي استغلتها بعض الدول الكبرى لتغيير أنظمة الحكم القائمة، ولعل ما يسمى بالربيع العربي الذي أسقط عددا من الأنظمة العربية لخير دليل على ذلك. ويمكن تحديد أنواع الإرهاب في الآتي: 1. الإرهاب الديني والطائفي: وذلك بالتفسير المنفرد لمفاهيم وسلوكيات دينية معينة والسعي لفرضها على الآخرين بما يتعارض مع الحرية الدينية. 2. الإرهاب السياسي: عبر فرض فكر سياسي معين على المجتمع، وهو ما يتعارض مع مبادئ الحريات العامة التي تكفلها قواعد القانون الدولي والمعاهدات والمواثيق الدولية. 3. الإرهاب الفكري: بفرض توجهات فكرية أو عقائدية متطرفة تكبِّل حرية الفكر والإبداع وتُخضعها لسلطات ديكتاتورية تحدّ من انطلاقها وإسهامها في بناء الحضارة الإنسانية. 4. الإرهاب الإلكتروني: وذلك باستهداف الأنظمة المعلوماتية الحساسة والقيام بأعمال التجسس بدوافع سياسية أو دينية عن طريق استخدام التقنيات الحديثة. 5. الإرهاب التجاري: من خلال عمليات القرصنة البحرية قبالة السواحل الصومالية التي تعدّ أكثر الطرق البحرية خطورة في العالم، والتي كانت آخرها في (13 مارس 2017م). وعند القراءة الدقيقة لما يخفيه الإرهاب المستشري في العالم من أهداف تبرز ثلاث حقائق بالغة الأهمية تقتضي ضرورة: أولاً: عدم الخلط بين الإرهاب وحق الشعوب في مقاومة من يحتل أراضيها ويغتصب حقوقها، وستبقى القضية الفلسطينية النموذج التقليدي المستمر منذ ما يقارب 70 عاماً. ثانياً: التفريق بين (مقاومة الإرهاب) وبين (حقوق الإنسان)، خصوصاً بعد أن وفَّرت عدد من الدول الأوروبية الملاذ الآمن للإرهابيين من الدول العربية بدعاوى تعرضهم للاضطهاد السياسي؛ لخَلق حالة من التوتر وعدم الاستقرار في الوطن العربي وإيجاد ذريعة لإصدار القرارات الأممية الجائرة والتقارير غير المنصفة عن مجلس حقوق الإنسان المعتمدة على معلومات مغلوطة، أو اتخاذ قرارات على مستوى العلاقات الثنائية بمنع صفقات التسلّح، أو وقف العمل بالاتفاقيات التجارية بهدف الضغط السياسي للحصول على تنازلات سيادية. ثالثاً: عدم الخلط بين (احترام الحريات وحماية حقوق الإنسان) وبين (حفظ النظام بتطبيق القانون)؛ فالدول الكبرى تدعم (حق التظاهر السلمي) دون أن تدقق في ما يقوم به المتظاهرون من أعمال عنف وتخريب وإرهاب، في الوقت الذي تقوم فيه بتطبيق معايير مزدوجة باعتبار جميع تلك التصرفات أعمالاً يُعاقب عليها القانون دون تردد. لذلك فهناك حاجة ماسة لتحديد التعريف العام للإرهاب ومدلولاته؛ لتتمكَّن دول العالم من صياغة مبادئ واضحة لتطبيق القانون على الأعمال الإرهابية بذات المعايير والمقاييس دون تمييز دولة عن أخرى؛ للحاجة الملحة لتكاتف القوى على مستوى عالمي لمحاربة الإرهاب بشتى صوره وتأمين حياة واستقرار الدول، ويمكن أن يتم ذلك على ثلاثة مستويات، هي: • المستوى الوطني: والذي تتداخل فيه مسؤوليات (الفرد، والقبيلة، والمجتمع)، فهناك مقاومة الإرهاب بالقانون، وهناك مقاومة الإرهاب عبر التوعية والتعليم ونشر الثقافة المجتمعية القائمة على أسس التسامح والوسطية والاعتدال وتعزيز دور منظمات المجتمع المدني في ذلك. • المستوى الإقليمي: بعقد اتفاقيات مع دول الجوار الإقليمي لمواجهة الإرهاب الذي يتطلَّب وجود ثقة ونوايا صادقة للتعاون في هذا المجال عبر التنسيق المتكامل وتبادل المعلومات الاستخباراتية وعدم السماح للطائفية بالعبث لتحقيق أحلام التوسع السياسي والمذهبي. • المستوى الدولي: وهذا يستدعي إنشاء قواعد معلوماتية دقيقة يتم تحديثها باستمرار حول المنظمات الإرهابية العالمية وأتباعها، وتبادل المعلومات بين الأجهزة الاستخباراتية للدول الأعضاء في الأممالمتحدة، وعقد اتفاقيات حول الآليات المناسبة للتعامل مع قضايا الإرهاب في إطار قانوني دولي. إن الإرهاب لا دين ولا أرض له، فعند قراءة التاريخ العربي القديم، نجد هناك (طائفة الحشاشين) التي اعتمدت أسلوب الاغتيالات الميدانية في الأماكن العامة لإثارة الرعب في المجتمع، وفي العصر الحديث نجد الكثير من المنظمات الإرهابية التي تدّعي الإسلام والإسلام منها براء، إلى جانب العديد من المنظمات الإرهابية المسيحية والبوذية والهندوسية واليهودية. إذن، يمكن اعتبار الإرهاب حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة التي لا يمكن غلق صفحاتها إلا بعد أن تتكاتف جهود الدول الكبرى وتخلص نواياها لحفظ ما تبقى من الحضارة الإنسانية وعدم استغلال (الإرهاب) كوسيلة لتحقيق أهدافها التوسعية. *المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون