منذ أن ظهرت فكرة إنشاء حساب باسم المواطن، لدعم متضرري فرض الرسوم ورفع الدعم عن بعض السلع والخدمات الأساسية، والشائعات تحيطه برغم مقصده النبيل، لفتني في التوضيح ما قبل الأخير للمشرف على برنامج «حساب المواطن» لبعض هذه الشائعات غير الصحيحة المتداولة عن شروط التسجيل، أنه لا يشترط حدا أعلى للراتب حتى الآن، وأن احتساب راتب الزوجة لم يتقرر حتى الآن، وأن المرحلة الحالية هي مرحلة الإفصاح عن كامل المعلومات ومنها دخل الأسرة، على أن يتم إقرار السياسات بحسب الخطة لاحقا. كيف يتم الإعلان عن الحد الأعلى، ثم يتم التراجع عنه، ماذا توضح كلمات مثل «لم يتقرر حتى الآن» و«سيتم إقرار السياسات لاحقا»، كيف يعلن عن حساب لم تقرر سياساته بعد؟ غير أني، وأصدقكم القول، توقفت طويلا أمام توضيح أن المرحلة الحالية هي مرحلة «الإفصاح»، هذه الكلمة الأثيرة التي بح صوت الكتّاب وكل مهتم بالشأن العام وهم ينادون بها لتطبق على كبار المسؤولين العموميين بإقرار الذمة المالية قبل تولي الوظيفة العامة، كيف دار بها الزمن ليبدأ تطبيقها على المواطن، كيف تأخرت على أولئك وتسارعت على هؤلاء. حقيقة الأمر وجدت فيها رسالة خاطئة، يصدرها مخططون متسرعون، مهما كانت نيتهم حسنة وقصدهم نبيلا، قارنوها برسوم الأراضي البيضاء التي طال انتظار تطبيقها وهي على كبار الأثرياء والملاك، بينما تسارع فرض الرسوم الجديدة على المواطن الغلبان في موجات متتالية. أعود لموضوعي بعد هذه السرحة، لا يشك عاقل في جدوى حساب المواطن لمساعدة غير القادرين على مواجهة رفع الدعم، فكرة استحداثه فكرة نبيلة بحد ذاتها، ولا شك أن جمع معلومات الدخل ضرورة لترسية «حساب مواطن» وتنفيذ أهدافه كما شرحت بداية الإعلان عنه، لكن أن ينشأ حساب بهذه الضخامة قبل إقرار سياساته، بل يجري استبدالها وتغيير ما أعلن منها كحد الدخل وعدم تحديد المستهدفين به وعدم التفريق بين الأسر الممتدة والأسر الحديثة إعالة وولاية. إمعانا في حسن الظن أقول ربما صادف الحساب إشكالات تتعلق براتب الزوجة أو بدخول إضافية من خارج الوظيفة يتم توضيحها كل حين، إذ لا يعقل عدم العلم بوجود زوجات لهن رواتب، أو اكتشاف أن ربات بيوت يعلن أكثر من 25% من الأسر السعودية. أما التوضيح الأخير للمشرف على حساب المواطن بالسماح للوزراء والشوريين بالتسجيل فتشي أن الهدف الأول للحساب هو تجميع معلومات عامة عن كافة المواطنين، تمهيدا لتحليل مداخيلهم لتحديد المستحق للمساعدة بعد رفع الدعم، ما كان أسهل قول ذلك من البداية منعا لإساءة الفهم، لماذا التدرج في الإفصاح يا من تطلبون الإفصاح. على الضفة الأخرى، أليست معظم هذه المعلومات متوافرة لدى وزارت الخدمة المدنية للموظفين والعمل لغير موظفي الدولة والشؤون الاجتماعية لمستحقي الإعانة، أو لدى مصلحة الإحصاءات العامة، ألا يمكن استقاؤها من بيانات تعداد السكان التي تجرى كل فترة، ألم يكن أجدى تجميع ما أمكن من مصادره الرسمية والبدء به، ثم إن ظهر نقص يستكمل مباشرة من غير المشمولين بالإعانة الذين سيهرعون حينها لتقديم بياناتهم.