نختتم حديثنا عن التيارات الفكرية السياسية المختلفة بالتذكير بوجود «وسيلة» مبسطة جدا لتصنيف سلوك الناس وتوجهاتهم، بناء على مدى محافظتهم، أو رغبتهم في «التغيير»... تتمثل في مستقيم تقسيم التوجهات الفكرية ثلاثي الأبعاد... الذي ينقسم إلى ثلاثة أقسام متساوية (يمين، وسط، يسار)... بحيث يشغل كل قسم ثلث مساحة الخط المستقيم. وعادة ما يكون «اليمين» المتطرف (يمين اليمين) القابع في أقصى الثلث الأيمن، متشددا، لا يقبل الرؤى المخالفة له، مؤمنا بتفوق الفكر و«العنصر» الذي ينتمي إليه... مطالبا بالعودة إلى التقاليد القديمة المحافظة جدا، ومؤكدا على ضرورة التمسك بمعتقده في صورته المتطرفة، والانطلاق من تعاليمه أحيانا لسيادة العالم، وفرض تلك القيم (على «الكفار» بها) ما أمكن. واليمينيون المتشددون يتواجدون في كل مجتمع، وكل ثقافة. ومعظمهم (أينما كانوا) ينظرون إلى العالم من منظار التشدد، ويعتبرون كل من هو مخالف لهم ضدهم... يحسبونه شريراً، تجب محاربته، وحتى إشهار السلاح ضده؟! ف «السلاح» لدى معظمهم، هو الأداة المفضلة لفرض ما يريدون، على الغير... لهذا، كثيرا ما يصطدمون بالآخرين، وتوصف عقيدتهم بأنها«فاشية»، وسلوكهم إقصائي، وأيضا إرهابي...؟! *** نعم، اليمينيون الأكثر تشدداً وتطرفاً يؤمنون بالتفسيرات المتطرفة والأكثر تحجرا لتعاليم عقائدهم، ويميلون للعنف، عكس الليبراليين الذين يصنفون بأنهم أهل اليمين المعتدل والوسط، المؤكدون على مبدأ الحرية لهم ولغيرهم، والغالب على فكرهم الطابع البراغماتي... إذ دائما ما يرون أن «مصلحة» بلادهم وأمتهم يجب أن تكون فوق أي اعتبار أيديولوجي أو عقائدي. ومعروف أن التيار الليبرالي (الوسط) في العالم، بصفة عامة، وفي الغرب على وجه الخصوص، هو الأكثر انتشارا. ومازال الأقوى، رغم تصاعد التوجه اليميني المحافظ. أما يمين اليمين المتطرف فما زال هو الأقل انتشارا وشعبية. ومعروف أن دساتير معظم دول العالم «علمانية»... أي أنها لا تنص على: الالتزام - في التشريع- بتعاليم دين معين. ومع ذلك، يلعب الدين المسيحي دوراً بارزاً في السلوك السياسي الغربي الفعلي، الداخلي والخارجي. ويندر أن يشرع الساسة الغربيون أمراً يخالف المسيحية صراحة. وينادي اليمينيون الدينيون المتطرفون، في بعض البلاد المسيحية، ب «تمسيح» دساتير بلادهم. والبعض منهم «أصوليون» غلاة. ورغم هذا، فإنهم ينكرون «أصولية» غيرهم، من المخالفين لهم. *** ولعل من أبرز تنظيمات يمين اليمين المتطرفة الغربية حاليا هي: جماعة «كو كلاكس كلان» ( Ku Klux Klan). وهي عبارة عن عدد من التنظيمات العنصرية المؤمنة بتفوق العنصر الأبيض، ومعاداة ما عداه، خاصة الملونين والجنس السامي، والمسيحيين الكاثوليك. وقد تأسست أقدمها في العام 1866م في ولاية تينيسى الأمريكية. ويطلق عليها اختصارا (KKK) وأصبحت أكثر ظهورا منذ العام 1915م. ووصل عدد أعضائها في بداية القرن العشرين حوالى ستة ملايين عضو. ولكن هذا العدد انخفض بشدة بعد ذلك، ليقدر مؤخرا ببضعة آلاف فقط. وأعضاؤها يرتدون جلاليب بيضاء واسعة وطويلة تغطي كل أجسامهم، وأقنعة لا تظهر سوى عيونهم. وتلجأ هذه التنظيمات للعنف والإرهاب... مرتكبة جرائم بشعة ضد من تعاديهم. وقد صنفت كمنظمات إرهابية محظورة بموجب القانون الأمريكي. *** وفي عالمنا العربي والإسلامي، توجد في معظم بلدانه - كغيرها من البلدان - كل هذه التيارات، وهذه التقسيمات. ومؤخرا، ظهرت فيه تيارات يمين اليمين المتشددة وبالغة التطرف. ومن المؤسف أن هذه التيارات ترفع شعار الإسلام... زاعمة أنها تمثله، وهو منها براء. فالإسلام هو دين الوسطية والاعتدال، لا دين التطرف والتحجر والعنف. لذلك، فإن من المناسب أن نصف هذه الجماعات ب «الإسلاموية»، وليس الإسلامية. وأبرز هذه الجماعات الآن: تنظيما «داعش»، و«القاعدة» وغيرهما. «داعش» هو حاليا الأخطر، والأكثر تمكنا ونفوذا وسيطرة على الأرض، لدرجة أنه يدعي أنه «دولة». فهو يسمي نفسه «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام»، ويرمز له ب «داعش». وتحيط الشكوك بقيام ونمو وتوسع هذا التنظيم الإرهابي (الإسلاموي) الذي نشأ في محافظة الأنبار التي تسكنها غالبية سنية. وظهر، أول ما ظهر، عام 2013 م، في مدينة «الفلوجة» أثناء ما سمي ب «انتفاضة المحافظات الغربية» (الأنبار، نينوى، صلاح الدين، ديالي، كركوك). وأصبحت الفلوجة أول مدينة يسيطر عليها هذا التنظيم، ومنها أعلن عن إقامة ما يسمى ب «دولة الخلافة الإسلامية». *** في الغرب بعامة يسمحون بقيام أحزاب سياسية تعتنق مبادئ... تندرج في كل التقسيمات الثلاثة، وفق أنظمة غالبا ما تستبعد أحزاب يمين اليمين، ويسار اليسار. وفي معظم عالمنا العربي هناك فوضى حزبية... تتيح للتيارات الأكثر تشددا وإرهابا التواجد بقوة، وبالقوة، في كثير من المناطق.