اليمين الأوروبي والأميركي المتطرف مكروه عند العرب، بجمهور قنواتهم الفضائية وكتابهم. فاليمين هذا معاد للإسلام، دين أبناء الجاليات العربية الكبيرة في الغرب. ويناهض ما يراه هؤلاء من حقوق لهم في الحفاظ على هوياتهم الوطنية والدينية وفي اكتساب جنسية الدول التي يقيمون فيها والمشاركة في حياتها السياسية والثقافية. وفوق هذا وذاك، تتحالف التيارات الأكثر تطرفاً في اليمين الغربي مع القوى المدافعة عن مصالح إسرائيل هناك ويشكلان معاً مصدر إسناد لا يستهان به للدولة العبرية. لقد ولى الزمن الذي كان العرب يجدون فيه حلفاءهم في صفوف الحركات والأحزاب المنتمية إلى أقصى اليمين. فالطريق التي عبدها الحاج أمين الحسيني وغيره من دعاة الاعتماد على دول المحور، أثناء الحرب العالمية الثانية، ومن بعد على بقايا التنظيمات النازية الجديدة، قد أفضى إلى الإفلاس. وشهد عقدا الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين تحولات في اهتمامات اليمين المتطرف الغربي الذي حول بؤرة عدائه من اليهود الى المهاجرين الآتين من دول العالم الثالث. وتزامن بروز صعوبة الاندماج الثقافي في صفوف الجاليات العربية والمسلمة في المجتمعات والدول التي استقبلتهم مع صعود عالمي في نزعات الهويات الإقليمية والخطاب الشعبوي (اليميني واليساري) ومخاوف الطبقات العاملة من خسارة وظائفها لمصلحة المهاجرين وانتقال المصانع إلى دول الجنوب. عبّرت جملة من الظواهر عن تفاقم الأوروبية والأميركية اليمينية منها وصول جان – ماري لوبان إلى الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية عام 2002، وبروز عدد من الأحزاب اليمينية – الشعبوية في هولندا والشمال الأوروبي تركز في نشاطها على التنديد «بالتشدد» الإسلامي وصولاً الى تعزيز الأحزاب اليمينية المتطرفة مواقعها في الانتخابات التشريعية الأوروبية الأخيرة قبل أشهر، في الوقت الذي كانت الولاياتالمتحدة تعيش يقظة تيار «الإنجيلويين» (لتمييزهم عن المذهب الإنجيلي) دعاة التحالف مع الصهيونية تمهيداً لخوض حرب كونية ضد الشر وإعادة بناء الهيكل... ظواهر مثل الداعية بات روبرتسون وسواه ممن لا يخفي العداء للعرب والمسلمين كانت من جملة المقدمات التي صاغت العلاقات مع اليمين الإسرائيلي. كانت الفكرة العربية التقليدية تقول أن من مصلحة العرب وجود الأحزاب اليمينية في السلطة في الغرب بسبب ارتباطها بالمصالح الأكثر تداخلاً مع العالم العربي خصوصاً في المجال الاقتصادي والنفطي ما يحفزها على الدفاع عن الأساسيات من المطالب العربية أو مراعاة بعض مخاوف المسلمين والعرب، هذا مقابل التاريخ الحافل للعلاقات بين الأحزاب الاشتراكية الديموقراطية الأوروبية (والحزب الديموقراطي الأميركي في عدادها) و «المؤسسة» الصهيونية التي تجسدت سياسياً على الخلفية الفكرية لليسار الأوروبي. حزب العمل الإسرائيلي وقبله المابام وبعدهما حركة ميريتس، من نتائج العلاقات تلك. عندما انتقل اليمين الأوروبي المتطرف الى تصعيد نشاطه الإعلامي و «الميداني» وبلوغ العداء للعرب والمسلمين مستوى لا سابق له بعد جرائم 11 أيلول (سبتمبر) 2001، لم يجد هؤلاء أمامهم سوى التنديد بالأسس الإيديولوجية التي غذت موجة الكراهية الموجهة صوبهم. بيد ان الرد العربي استغرق في تفاصيل الاتهامات من دون انتباه كاف إلى الخلفيات الاجتماعية التي تصدر عنها. وفاته كذلك ملاحظة أن المواجهة التي يخوضها اليسار الأوروبي، بتياراته المتعددة، الاشتراكية الديموقراطية والماركسية وتلك المطالبة بعولمة بديلة، لا تذهب فقط إلى تفنيد المقولات التي يجعلها اليمين المتطرف شعارات له في حملاته على العرب وعلى المسلمين ويصل فيها إلى تبني مواقف جذرية في مساندة السياسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة أو في تحقير المهاجرين المتحدرين من الدول النامية، بل مضت إلى رسم الخطوط التي تربط بين تغير التحالفات التي يقيمها اليمين المتشدد وبين المعطيات الاقتصادية والاجتماعية التي تتعرض إلى تقلبات قوية منذ اواسط الثمانينات، من دون ان يُترجم ذلك تحولاً كبيراً في اليسار ضد اسرائيل على رغم بعض المواقف المعترضة على امعان حكومات الاحتلال في انتهاك حقوق الفلسطينيين. واشتراك العرب والمسلمين، سواء اولئك المقيمين في الغرب او المتابعين لأحوال المهاجرين، مع اليسار الأوروبي والأميركي في التنديد بعنصرية اليمين المتطرف، لم ينتج تقارباً يتجاوز بعض التنسيق اليومي والآني. الفجوات ما زالت شديدة الاتساع بين الجانبين خصوصاً ما يتعلق منها بالموقف من العنف «الجهادي» أو من مستوى اندماج المهاجرين في المجتمعات الغربية، ناهيك عن وقوف الآراء المتعارضة من العلمانية والحقوق الفردية عقبتين عاليتين أمام أي سعي إلى صوغ تفاهم سياسي بين الناطقين باسم الجماعات العربية في الغرب وبين القوى اليسارية. مرونة مواقف الأحزاب الغربية الكبرى في يمين الوسط حيال بعض تيارات اليمين المتطرف والديني، واستعداد بعضها للتوصل الى تحالفات انتخابية او تشكيل ائتلافات حكومية، تزيد من عسر فهم العرب لظاهرة الكراهية الموجهة اليهم وإلى قضاياهم وتساهم في إضفاء قدر من الشرعية على آراء المتطرفين. اما في العالم العربي، فثمة ممانعة واضحة لتبني توجهات التيارات الاشتراكية الديموقراطية العريضة بسبب التداخل في مواقف يسار الوسط في المجالات الاجتماعية والحقوقية والسياسية، وهو تداخل مفقود عند بعض الجماعات اليسارية المتطرفة الهامشية في السياسات الغربية والتي يبدو أنها، وعلى رغم هامشيتها، تجد من يهتم بها وبأفكارها التي يمكن القول، ومن دون مبالغة كبيرة انها تعادل اراء اليمين المتطرف وتلتقي بها، في نهاية الأمر.