يأتيني غياب صالح الأشقر، لينبه غفلتي، كثيرا ما أجلت مواعيد كان عليّ أن أغتنمها. عرفته معلما وحنونا، يرأف بنصوص طالعة لم ير كتابها، يمد يديه محتضنا الأبعدين ويقدم الأقربين على نفسه. منذ رأيته في القسم الثقافي مبنى صحيفة الجزيرة.. عصر يوم من العام 1982 -دخلت لأسلم نصا شعريا، كانت أيام محنة اجتياح بيروت- وصالح يحاول أن يتمالك نفسه أمام زملاء يتملكهم الغضب على منع صفحة كاملة من النشر.. تم للتو إخراجها وتصميمها.. كانت نصا شعريا جديدا للشاعر معين بسيسو بعنوان «قصيدة في زجاجة» وبروح عالية حمل رفاقه من مبنى الجريدة وأخذهم إلى منزله ولم ينس أن يأخذني من يدي وكنت في منزلة الدهشة.. تلك المرة الأولى التي أصحب فيها الشعر وأهله ندامى ليل.. وقف صالح ليخفف عنا وبعد أن فرش سفرة الطعام، أطلق بابتسامة رقيقة صك حكم بين يديه صادر ضده لنشره نصا للشاعر والكاتب عبداللطيف عقل.. حكم بالجلد.. وعندما طواه جانبا هب لضيافة رفاقه ومواساتهم حتى رق الليل وقام الرقص يحفر لتلك الأجساد النحيلة نفقا في الظلام.. وكان درسي الأول.. جاء إلى الأحساء مع رفيق دربه الصديق سعد الدوسري في أمسية قصصية 1986 «تقريبا»، وقرأ علينا من ضجيج الأبواب وكأنه يرى أنها ستتفتح صاخبة ولم يوهمنا بآمال طوباوية ولم يرهبنا من الكارثة أيضا.. كان أرق من الأمل وأوضح من اليأس. صالح الأشقر ترك فينا أكثر مما أخذ، كنت تلميذا من طرف واحد لأنه لم يضع نفسه في موضع المعلم أبدا، لكنه كان كذلك لي. بجسد نحيل يتلقى الأحداث الجسام، يظهر ما يبطن ويحمل ما يقول على ظهره. وما أدل على ذلك من مأساة غزو العراق للكويت والتي أطاحت به على فراش الألم أول مرة. صالح الأشقر.. تركنا خفيفا ولم يشق علينا في حياة أو ممات. ذهب وعزائي أنه لن يشعر أبدا بألم الفقد. «عدت يتيما ثانية هذا اليوم.. وصار عليّ أن أمشي وحيدا في هذا الكون».