اطلعت على مقال الزميل الباحث المجتهد صلاح الزامل والمنشور في خزامى الصحارى الأسبوع الفائت العدد17057 وقد تضمن المقال مغالطات تاريخية وقراءة خاطئة لدلالة النص الشعري محل المقال وسنوضحها فيما يلي: يقول الزامل "أما الراوية محمد بن عبدالرحمن بن يحيى -رحمه الله- فقد روى قصيدة رثائية ونسبها إلى احد أمراء آل سعود وكتب تاريخ إنشادها سنة 1250ه وأضاف أيضاً أنه قالها وهو في الكويت". أقول: إن ما ذكره ابن يحيى في تقديمه للنص جاء هكذا"مما قال أحد أمراء آل سعود أثناء وفوده إلى الكويت في زمن الشيخ جابر العبدالله الصباح المعروف بجابر العيش سنة 1250". وبالتالي فهناك مغالطات في تقديم النص وفي استنتاج الزامل يمكن تفنيدها من عدة وجوه كما يلي: 1- ان ابن يحيى في تقديمه للقصيدة لم يشر إلى الدرعية من بعيد أو قريب أو أن القصيدة قيلت في رثاء الدرعية كما أن أبيات القصيدة لم تتضمن إشارة للدرعية. 2- إن سقوط الدرعية كان في سنة 1233ه والتاريخ الذي حدده ابن يحيى للنص هو في سنة 1250ه وفيه كان الوضع مستقراً للإمام فيصل بن تركي. 3- انه لم يحدد اسم الشاعر ولم ترد أي إشارة في مصادر التاريخ عن أحد من أسرة آل سعود غادر إلى الكويت بعد سقوط الدرعية. يقول الزامل: "إن الدلائل ترجح أن قائلها أحد أمراء آل سعود بدليل البيت الوارد في القصيدة حيث ذكر الشاعر أنه من أسرة لها شأن كبير وعظيم وتراث عريق في الحكم والملك والسيادة وهو قوله: يا صاحبي قصر المعالي بنينا وحنا على العليا لنا الجود تذكار ورث من أجدادنا الأولينا الله يقدسهم بجنات وأنهار" أقول: إن دلالة البيت عامة لا تختص بالأسرة السعودية دون غيرها من الأسر ولم تتضمن إشارة إلى حكم أو إلى اسم الأجداد وبالتالي استشهاد الزامل بالأبيات وان لها دلائل ترجح أن الشاعر أحد أمراء آل سعود هو قول ظني وليس استنتاج علمي. يقول الزامل: "إن هذه القصيدة كشفت حالة نجد بعد سقوط الدرعية وما آلت إليه من الفوضى والفساد والإفساد الذي أحدثه جيش إبراهيم باشا" أقول: لم أجد في النص الشعري بيتاً أشار إلى جيش إبراهيم باشا أو أشار إلى نجد وقول الزامل من الوهم الذي لا يقوم على حقيقة علمية، فكان الأولى به أن يتناول النص كاملاً بالدراسة والتدقيق وبشكل محايد وهذا ما سنوضحه كما يلي: أولاً- تخريج النص: 1- مخطوط ابن يحيى جاء النص في ثلاثين بيتاً 2- مخطوط الربيعي جاء النص في سبعة وعشرين بيتاً. 3- خيار ما يلتقط من شعر النبط لعبدالله الحاتم جاء النص في ثلاثين بيتاً. 4- قصص وأشعار الجزء الخامس من سلسلة من آدابنا الشعبية لمنديل الفهيد جاء النص في سبعة وعشرين بيتاً. 5- تاريخ اليمامة الجزء الخامس لعبدالله ابن خميس جاء النص في ثلاثين بيتاً. ثانياً - المقارنة بين المصادر: 1- هناك تطابق بين ابن يحيى والحاتم وابن خميس في مناسبة النص وفي الأبيات، مما يرجح أنهم نقلوا عن أحدهم حرفياً. 2- جاء في مخطوط الربيعي في مناسبة النص"وهذه قصيدة لأحد أمراء السعود أثناء وفوده على أمير الكويت في زمن الشيخ جابر العبدالله الصباح المشهور بجابر العيش بعد ما سلمت الدرعية لبراهيم باشا "وهنا يظهر تشابه المقدمة مع ما جاء عند ابن يحيى والحاتم وابن خميس، ولكنه أجرى بعض التعديل بحذف السنة وأبدلها (بعد ما سلمت الدرعية لبراهيم باشا) فتطابق اغلب المفردات وتتابع سياقها يدل على أن الربيعي أخذ عنهم صياغة مناسبة النص. ولكنه اختلف عن الجميع بعدد الأبيات وفي بعض الاشطر والمفردات. 3- جاءت مناسبة النص عند الفهيد "قال أحد الشعراء أثناء إقامته في الكويت في زمن جابر العيش" وهنا لم يذكر أنه أحد الأمراء من السعود ولم يحدد السنة. وإن اتفق مع الربيعي في عدد أبيات النص إلا أنه يختلف في بعض الأشطر والمفردات ويتقارب مع ابن يحيى ومن معه. عبدالرحمن بن يحيى ثانياً- دراسة النص: 1- في جميع روايات النص بدأ الشاعر شاكياً من حالة الحزن والشعور بالوحدة. 2- في جميع روايات النص ما عدا الربيعي نجد الشاعر خاطب من نعتهم بأبنائه بهذا البيت: لا من طرا لي ما مضى يا بنينا قام ايتزفر وجد قلبي تزفار وفي البيت إيحاء على أن الشاعر كان كبير سن، أما رواية الربيعي فجاء (لي بحينا) بدلاً من (يا بنينا) وربما يكون تدخلاً من الربيعي. 2- ان الشاعر يدعو الله أن يرأف بحال من ابتلوا بالبقاء في بلدٍ ليس بها سوى الأشرار من أهل الفسق وشرب الخمر وإقامة حلقات الطرب والضرب على الدفوف وهم لا يدركون أن هذا السلوك يعتبر من العار. يرحم لحال اللي غدو مبتلينا في وسط دار مابها غير الأشرار الى نامت العباد هم قايمينا في فسقهم ايضا وفي شرب الاخمار في لعبهم وبالطرب هايمينا ما يذكرون اخلاقهم كلها عار ويختلف الربيعي عنهم حيث بدل كلمة ( مبتلينا) بكلمة (ميتينا) وهذا تدخل منه لا يتسق مع سياق البيت. وفي هذه الأبيات دلالة على أن الشاعر غادر هذه البلدة لفسق من فيها فقط ولم يشر إلى حرب أو تدمير بلد. 3- إن الشاعر بين سبب مغادرته لهذه البلدة بعدم رغبة أهل البلدة في بقائه في بلدتهم ولذلك هو سيذهب إلى بلد لا يحتار فيها رشيد: نجلي عن الدار الذي ما بنينا ونسير لدارٍ مابها قبل محتار وهذا ينفي أن يكون سبب مغادرة الشاعر لبلدته هو هرباً أو خوفاً على نفسه نتيجة استيلاء عدو على البلدة وإنما ينحصر في خلاف بينه وبين أهل بلدته. 4- يؤكد الشاعر أنه لم يكن ليسكت على هذا الفسق والمنكر وأن من واجبه كشفه وأنه ليس كمن يضرب معهم الطار ويقيم الحفلات وأنه لم يكن مهتماً بعشق النساء: كشف البلى والعار واجب علينا ماني سوات اللي ركض يرمع الطار ايضاً ولا بي هم صافي الجينا الى من تجلا الليل من البعد زوار 5- إن الشاعر يشير أنه كان مجاوراً لتلك البلدة وسيبدلها بجوار من يريد مجاورته لذلك قدم إلى الشيخ جابر الذي يحتمل أخطاء الجار ويكرمه: نثني بدون الجار جار يبينا ورفيقنا ما يشتكي حر الأسعار جيناك من دار البلا نازحينا ناصين دارك يا ذرا الجار لو جار 6- إن الشاعر يبين حالة مفارقته لأبنائه وحزنه عليهم مما يدل أنه غادر بلدته وحيداً بعد أن أصبح غير مرغوب في بقائه ويشتكي للشيخ جابر هذه الحالة من الحزن والبكاء على فراق الأبناء: ومن البكا عيني لك الله اعمينا والدمع جاري من عيوني كالأمطار وجسمي نحل ما فيه ربع الثمينا والقلب مثل الطير خفقٍ ولا طار مكسور جنحانٍ بفرقا البنينا مما به كسر الهم قلبه تكسار يابو صباح وش حال من بالحنينا متولعٍ قلبه مما في الحشا دار ومما سبق نخرج بالنتائج التالية: 1- لم يرد في النص أي إشارة إلى الدرعية أو أن الشاعر قادم منها. 2- لم يرد في النص أن مغادرة الشاعر لبلدته كانت نتيجة اعتداء جيش إبراهيم باشا أو أي عدو خارجي يحتل البلدة. 3- لم يرد في النص تحديد اسم الشاعر أو اسم البلدة وإنما ذكر فقط الشيخ جابر الصباح الذي لجأ له الشاعر. 4- دلائل النص تشير إلى الشاعر كبير سن ذي التزام ديني وأخلاقي. 5- دلائل النص تشير إلى أنه حصل خلاف بين الشاعر وأهل بلدته نتيجة كشفه لممارسات غير أخلاقية وإنكارها عليهم. 6- دلائل النص تشير إلى أن مغادرة الشاعر لبلدته نتيجة مضايقات من أهل البلدة ورغبة في عدم بقاء الشاعر. 7- دلائل النص تشير إلى أن الشاعر قدم على الشيخ جابر الصباح وقد بث له شكواه وحزنه لمفارقة أبنائه. إبراهيم الربيعي منديل الفهيد