في الأدبيات الرياضية السعودية هناك جدل طويل حول من أسس نادي النصر الرياضي الذي يعتبر إلى جانب شقيقه «الهلال» من أبرز وأقدم الكيانات الرياضية في إقليم نجد وما حوله، ناهيك عن تمتعه بقاعدة جماهيرية عريضة وبألقاب كثيرة مثل لقب «العالمي» (بسبب مشاركته وتمثيله لقارة آسيا في أول كؤوس العالم للأندية في كرة القدم بعدما فاز بلقب كأس السوبر الآسيوية في عام 1998) ومثل لقب «القاري» (لكونه أول نادٍ آسيوي يلعب مباريات رسمية في قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا وأمريكا الجنوبية)، هذا فضلا عن تقديمه لثلة من أبرز نجوم الكرة السعودية من أمثال: ماجد عبدالله، سالم مروان، ناصر الجوهر، يوسف خميس، محيسن الجمعان، فهد الهريفي، مرحوم المرحوم، توفيق المقرن، مبروك التركي، صالح المطلق، هاشم سرور، عبدالله عبدربه، عيد الصغير، سعود الحمالي، سليمان القريني، إبراهيم ماطر، محمد الخوجلي، وغيرهم. فهناك مثلا من يزعم أن «النصر» تأسس عام 1955 على يد الشقيقين زيد وحسين الجبعاء اللذين اختارا للنادي اسمه؛ لأن النصر هو هدف الإنسان وحلمه في الحياة، كما اختارا له اللونين الأصفر والأزرق شعارا كناية عن تربة الجزيرة العربية الصفراء وما يحيط بها من مياه زرقاء. ويذهب أصحاب هذا الرأي إلى القول إن ولدي الجبعاء كانا يتخذان من منزلهما في شارع العطايف بالرياض مكانا للاجتماع قبل التوجه لممارسة كرة القدم على ملعب «القشلة» (الواقع أمام حديقة الفوطة من جهة الغرب)، وأنهما أقاما في إحدى زوايا الملعب صندقة (كشكا) لبيع المشروبات الغازية والعلك و«الفصفص» والبسكويت والخبز والجبن المعلب كنوع من الاستثمار الداعم لأنشطة النادي، وكان هذا الكشك يستغل أيضا في تخزين ملابس وأحذية وكور بعض اللاعبين وخصوصا أولئك المتخوفين من حملها إلى بيوتهم بسبب رفض أسرهم المحافظة لممارستهم لعبة كرة القدم التي تتطلب لبس السراويل القصيرة الكاشفة للعورة على حد زعمهم. لكن هناك من لا يعزي الفضل في تأسيس «النصر» إلى الشقيقين الجبعاء وحدهما، وإنما يضيف إليهما الشقيقين علي وعيسى العويس باعتبارهما عملا في النادي وساهما في الكثير من الأعمال والجهود في فترة التأسيس الأولى. وهناك من يقول (طالع عدد صحيفة الرياض الصادر في 14/9/2012) أن المؤسس الحقيقي للنادي، وأحد أكثر من لعب دورا مؤثرا في مسيرته في عقدي الخمسينات والستينات هو رياضي سوداني من مواليد عام 1916 ومن خريجي معهد التربية الرياضية في السودان اسمه المرحوم أحمد عبدالله الشهير ب «أحمد البربري»، وهو والد اللاعب ماجد عبدالله، علما بأن هذا الرياضي حل أولا في جدة بدعوة من الأمير عبدالله الفيصل ولعب للنادي الأهلي ثم غادر جدة إلى الرياض محتجا على قيام النادي الأهلي بعرض أفلام سينمائية داخل مقره. ويبرز أصحاب هذا الرأي بعض الشواهد لتأكيد مقولتهم، منها أن البربري كان أول رئيس للنادي، ومنها أنه عمل إداريا فاعلا وكشافا يرصد المواهب الشابة بفرق الحواري في مدينة الرياض تمهيدا لتسجيلهم في كشوفات النصر، منذ أن كان «النصر» مجموعة تلعب تحت اسم «فارس نجد» وتتدرب في ملعب «القشلة» وحتى تاريخ وفاته عن 96 عاما في عام 2012 جراء إصابته بفشل كلوي. ويذكر له أيضا - طالع عدد صحيفة الجزيرة السعودية الصادر في 11/4/2014) - أنه دعم فريق كرة القدم بنادي النصر في بداياته بعدد من اللاعبين المميزين عن طريق استقطابهم من أندية أخرى وهم: عبدالله أمان (من فريق الشرق بحلة القصمان)، رزق سالمين (من فريق الكوكب)، ناصر كرداش (من فريق الكوكب)، وغيرهم ممن ساهموا في فوز «النصر» التاريخي على شباب مكة في عام 1963، وبالتالي صعوده إلى دوري الدرجة الأولى. لكن فهد الوعيل اللاعب، الذي بدأ نصراويا وانتهى شبابيا، نفي في حوار له مع صحيفة الرياض (29/9/2012) أن يكون البربري هو مؤسس «النصر» أو أول رؤسائه، حيث أكد أن مؤسس النادي وأول من ترأس إدارته هو الشيخ زيد الجعباء، وأن البربري لم يكن سوى معاون للأخير، ومساعد في تقديم بعض الدعم المادي من جيبه الخاص ومن راتب عمله محررا رياضيا ومراسلا لجريدة القصيم. كما أماط الوعيل اللثام عن أمر آخر هو أن مؤسس نادي الهلال (الغريم التقليدي لنادي النصر) الشيخ عبدالرحمن بن سعيد لعب دورا في تأسيس نادي النصر من خلال دعمه ماديا في بداياته في السبعينات أي حينما كان ضمن أندية الدرجة الثانية، وتحديدا حينما انتقل «النصر» لثاني مقاره بجوار مقبرة حوطة خالد في حي الظهيرة قبالة أول مقر لنادي الهلال، حيث تكفل ابن سعيد بدفع إيجار المقر النصراوي البالغ وقتذاك ثلاثمئة ريال سنويا بموافقة رئيس نادي النصر الشيخ الجعباء الذي ربطته علاقة وطيدة بابن سعيد. ويضيف اللاعب فهد الوعيل في شهادته أن ابن سعيد تكفل أيضا بمساعدات أخرى للنصراويين تمثلت في قطعتي زل ومجموعة مساند وقدرين للطبخ ومثلهما لوضع الطعام إضافة لأباريق الشاي ودلال القهوة وفناجينهما. إلى ذلك هنا من يقول إن المؤسس الحقيقي للنادي هو الأمير عبدالرحمن بن سعود، وذلك انطلاقا من كون الأخير هو من أضاف خريطة شبه الجزيرة العربية إلى شعار النادي باللونين الأصفر والأزرق، ناهيك عن قيامه بدعم النادي ومساندته والمساعدة في عام 1960 في تسجيله ككيان رياضي رسمي في لوائح رعاية الشباب التابعة آنذاك لوزارة المعارف، إلى أن تحقق له الصعود من دوري أندية الدرجة الثانية إلى دوري أندية الدرجة الأولى (الدوري الممتاز حاليا) في عام 1963 أي في العام الذي كان فيه مجلس إدارة النادي مكونا من: الأمير عبدالرحمن بن سعود بن عبدالعزيز رئيسا، الأمير محمد بن ناصر بن عبدالعزيز نائبا للرئيس، الأمير مساعد السديري والأساتذة حسن نصيب وبكر باناجه وعبدالرحمن بن خميس ومعتوق كوشك وأحمد البطاطي ومحمد السباعي أعضاء. هذا علما بأن أول مجلس إدارة للنادي كان مكونا من: أحمد عبدالله البربري رئيسا، عتيق بن ناصر سكرتيرا، ومحمد الشافعي مساعدا للسكرتير، علي بن عبدالمحسن أمينا للصندوق، والسادة نادر المتعب وعبده عويشي وقيس بن عبدالرحمن العيسى أعضاء. على أنه مهما تباينت الآراء، واختلف الناس على هذه المسألة أو تلك، تظل هناك حقيقة واحدة ثابتة لا جدال ولا نقاش فيها هي ارتباط اسم «النصر» باسم «عبدالرحمن بن سعود بن عبدالعزيز». إذ نادرا ما يذكر أحدهما دون الآخر، ولكأنما هناك ارتباط عضوي أبدي بينهما. وفي سياق بداية ارتباط الأمير عبدالرحمن مع النادي يقول نجم الرعيل الأول بفريق النصر «رزق سالمين» - طالع عدد الجزيرة 11/4/2014- ما مفاده أن الأمير عبدالرحمن كان محبا للنصر ويحضر تمارينه باهتمام ويدعمه ب300 ريال شهريا كمصروفات للنادي من أجل تأمين مستلزماته من كور وملابس وأحذية وأمور أخرى، ويضيف أنه بعد صعود النصر إلى الدرجة الأولى عمل شقيقه فرج سالمين الذي كان يعمل سائقا لدى الأمير بالتعاون مع آخرين على إقناعه بتولي رئاسة النادي، وما أن تولى الرئاسة حتى تمكن «بسماته القيادية وإدارته الحكيمة أن ينقل النصر من عالم البداية إلى عالم الريادة». وفي السياق نفسه يخبرنا أول سكرتير في تاريخ النصر وهو «محمد مختار» أن انضمام الأمير عبدالرحمن بن سعود للنصر شكّل دعما قويا وإضافة نوعية في المسيرة الصفراء، ويضيف قائلا (بتصرف): «اجتمعنا يوما في بيت فرج سالمين وطلبنا منه إحضار شخص قوي ماديا يشرف على الفريق فذكر لنا الأمير عبدالرحمن بن سعود، فوجهنا له دعوة لحضور مباراة للفريق، فاستجاب بكلِّ تواضع وأبدى إعجابه بالمجموعة. وبعد أيام قمت مع راشد فهد الراشد وأخي عبدالله مختار وبعض اللاعبين بزيارته في بيته، وعرضنا عليه فكرة ترؤسه للفريق فرحب بالفكرة وبدأ يشرف على الفريق، ويُحضر معه يوميا زمازم الشاي والقهوة والتموين الغذائي من تمور وخلافه للاعبين، إضافة إلى مستلزمات الفريق من كور وملابس وأحذية، فبدأ النصر يدخل مرحلة جديدة من مراحل البناء الرشيد على أرضيَّة صلبة بدعم ومتابعة واهتمام الأمير». تفنن في الإجابات الساخرة ببديهة حاضرة! عرف الأمير عبدالرحمن بن سعود بصراحته الدائمة وتصريحاته اللاذعة وعدم تردده في إعلان مواقف واضحة من الأحداث والمنافسات الرياضية ومن اللاعبين أيضا دون أن تأخذه في الحق لومة لائم. كما اشتهر بسرعة البديهة والأسلوب الساخر في الإجابة، الأمر الذي جعله هدفا يلاحقه الإعلام الرياضي في كل مكان. ومما يروى عنه أنه سئل ذات مرة عن أحسن هدف رآه للاعب الهلال سامي جابر، فكان رده: «أحسن هدف له هو هدفه في دعاية شماغ المراسيم». وفي إحدى المرات سأله أحد الإعلاميين مستفزا: «لماذا يقولون دائما الهلال والنصر ولا يقولون النصر والهلال؟» فرد عليه قائلا: «تراهم يا أخي بعد يقولون سيداتي سادتي». وقد كتبت عنه صحيفة الشرق الأوسط (30/6/2004) قائلة: إن الأمير عبدالرحمن اشتهر بصرامته في إدارة شؤون نادي النصر، وقوة شخصيته التي فرضت احترام الجميع له، ناهيك عن أنه أثبت كفاءة لم تكن موجودة لدى نظرائه من رؤساء الأندية السعودية لجهة اختيار المدربين الأجانب، بدليل أنه نجح في التعاقد مع أشهر مدربي العالم مثل اليوغسلافي بروشتش، والبرازيليين ماريو زاجالو وسيزار كاربيجاني، والفرنسيين هنري ميشيل ولويس فرنانديز، فضلا عن تميزه في اختيار اللاعبين الأجانب المتألقين، وشجاعته في المطالبة بالاستعانة بالحكم الأجنبي في الملاعب السعودية. ثم أضافت الصحيفة أن الأمير عبدالرحمن اشتهر بأمر آخر هو جلوسه في مقاعد البدلاء مع الجهاز الفني المشرف على فريقه، أي بعكس رؤساء الأندية الأخرى. إذ لم يذكر عنه قط أن تواجد في منصة كبار الشخصيات في أي منافسة كروية. غير أن كل هذه الأمور التي عرف بها الراحل لا تساوي شيئا أمام الأمر الأسمى الذي وجد نفسه فيه وتماهى معه وجدانيا وهو عشقه الجنوني ل «لنصر» ولكل ما يمثله أو يرمز إليه النصر من ألوان وشعارات. أتذكر أني كنت في صيف عام 1985 في باريس، مقيما في فندق الميريديان. وذات مساء تهندمت للخروج مرتديا بنطالا كحليا وقميصا مائلا إلى اللون الأصفر مع دوائر زرقاء. ركبت المصعد إلى الدور الأرضي، لكنه توقف في الدور الخامس، إذا لم تخني الذاكرة، لالتقاط نزيل. ولم يكن هذا النزيل سوى سمو الأمير عبدالرحمن الذي دخل المصعد، ملقيا التحية المعتادة. لم يطل صمت الأمير كثيرا، إذ بادرني بالسؤال بعد لحيظات قائلا: «أكيد الأخ نصراوي». عندها عرفت سر السؤال الذي لم يكن سوى ألوان ملابسي. حاولت بعدها أن أشرح للأمير أن كرة القدم وأنديتها ليست من ضمن اهتماماتي، إلا أنه لم يتركني وأمسك بي وهو يقول: «واحد مثلك لابس أصفر وأزرق، وفي باريس، لازم نخليه نصراوي»! فسلمت أمري. مارس الصحافة والشعر وأشرف على الحرس الملكي ولد الأمير عبدالرحمن بن سعود في 19 نوفمبر 1940 وتوفي في 29 يوليو 2004 في مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض إثر نوبة قلبية حادة عن عمر ناهز التاسعة والخمسين، ودفن في مقبرة العود بعد أن صلي عليه في جامع الإمام تركي بن عبدالله. هو الابن ال 13 لثاني ملوك السعودية المغفور له الملك سعود الذي توفي حينما كان الأمير عبدالرحمن في سن ال29. والدته هي الأميرة الجوهرة بنت تركي بن أحمد السديري التي توفيت وهو لم يتجاوز ال 15 من العمر، والتي أنجبت أشقاءه الخمسة وهم الأمراء فيصل ونايف وأحمد وممدوح وعبدالعزيز أبناء الملك سعود بن عبدالعزيز. كان ميلاد الأمير عبدالرحمن في العاصمة الرياض، حيث نشأ وترعرع، قبل أن يلتحق كغيره من أبناء الأسرة المالكة ب«معهد الأنجال» المخصص لدراستهم. وفي هذا المعهد، وتحت إدارة مديره المربي الكبير الشيخ عثمان الصالح، برز الرجل في النشاط الرياضي، حيث لعب حارس مرمى في مباريات كرة القدم، ومارس الفروسية والسباحة وسباقات الحواجز، محققا العديد من الجوائز والبطولات. ومن جانب آخر برز الأمير عبدالرحمن خلال سنوات دراسته بمعهد الأنجال في النشاط الصحفي، حيث كان يعد صحف الحائط ويكتب فيها ويجري الحوارات وينشرها، ولعل هذا ما ساعده لاحقا في كتابة الأعمدة والزوايا الرياضية في صحف: المدينة، الرياضي، الرياضية، عالم الرياضة، الملاعب، وغيرها. إلى ذلك كان الأمير يحب الشعر وينظمه، فكشف عن موهبة شعرية خاصة تجلت بقوة في القصيدة المؤثرة التي كتبها يوم وفاة والدته. والمعروف أنه رغم مشاغله الخاصة والرياضية، إلا أن شغفه بالشعر والأدب استمر إلى يوم رحيله، حيث داوم رحمه الله على نظم القصائد الفصحى والعامية، واستضافة الحوارات الأدبية والشعرية في قصره، بل إنه دفع ببعض قصائده إلى كبار الفنانين السعوديين كي تلحن وتغنى، فمثلا هو كاتب كلمات قصيدة «في سلم الطائرة» التي غناها الفنان الراحل طلال مداح، والعديد من أغاني الفنان عبادي الجوهر. لكن يقال إن الأمير توقف عن الكتابة للمطربين بعد أن اشترط عليه هؤلاء أن يتكفل سموه بمصاريف أغانيهم، مؤكدا لهم أنه يعتز بشعره ولن يدفع لأي فنان ريالا واحدا. تزوج الأمير عبدالرحمن أولا من الأميرة سلمى بنت محمد التي أنجبت له أكبر أنجاله وهو الأمير خالد بن عبدالرحمن بن سعود وشقيق الأخير الأمير فيصل بن عبدالرحمن وشقيقته الأميرة الجوهرة بنت عبدالرحمن. ثم تزوج من الفنانة التشكيلية الأميرة جواهر بنت ناصر بن عبدالعزيز آل سعود التي أنجبت له الأمراء عبدالعزيز وممدوح وسعود وفهد والأميرات منال وعهد. شغل الأمير عبدالرحمن العديد من المناصب إلى جانب ممارسته العمل التجاري وأعمال المقاولات. فقد أشرف على الحرس الملكي حينما كان عمره 17 سنة، وكان مديرا عاما للمنتخبات السعودية في دورة كأس الخليج الرابعة (الدوحة/1976)، ورئيسا للاتحاد السعودي لكرة الطائرة لمدة 16 سنة، ورئيسا للاتحاد السعودي لكرة السلة لسنوات عدة، ورئيسا للجنة الفنية بالاتحاد السعودي لكرة القدم، وعضوا في اللجنة العليا للاحتراف في الاتحاد السعودي لكرة القدم، وعضوا في اللجنة الأولمبية السعودية، ورئيسا لمجلس إدارة نادي النصر على مدى 40 سنة متواصلة. أما ألقابه فكثيرة، وفي مقدمتها «الرمز» كناية عن إسهاماته الريادية وتضحياته الجسيمة وعطاءاته المشهودة في سبيل الارتقاء ب «النصر» من نادٍ مغمور إلى نادٍ يتربع على عرش الأندية الآسيوية، بل إلى نادٍ مصنف كأفضل سادس بالعالم. وهناك لقب «عميد رؤساء أندية العالم» بسبب طول فترة رئاسته للنصر التي تجاوزت أربعة عقود. * أستاذ العلاقات الدولية مملكة البحرين