مستقبل التعليم الإلكتروني يتسارع وطبقته دول عديدة متقدمة، فلا حقيبة ولا كتب مطبوعة ولا دفاتر وقلم ولا مسطرة ومحاية، إنما محمول أو تاب صغير وخدمة إنترنت وهذا جيد في العلم، لكن التحدي يكمن في تحور وتشوه طبيعة القراءة عبر الوسائط الحديثة، فقارئ إلكتروني بحجم الجيب يزن أقل من 250 جراماً، بات يحوي عشرات وربما مئات الكتب، يعادل وزنها الورقي عشرات الكيلوجرامات. وهذا يطرح تساؤلات كبيرة وجادة بشأن مستقبل الكتاب الورقي غني المعرفة مضمونا وتحليلا بين دفتيه، بالتوازي مع مخاوف أخرى مماثلة على مستقبل الكتابة وإتقان الأحرف واللغة، بعد التحول إلى لوحة مفاتيح الحواسيب والهواتف المحمولة وتقنيات قادمة لتطوير وتسويق القارئ الإلكتروني، فأي مصير ينتظر الكتاب والقراءة والكتابة؟!. الوسائط الحديثة وابتكاراتها تقتل بالفعل خصائص جميلة ومفيدة في القراءة والكتابة، حيث تتزاحم فيها الصور ومقاطع الفيديو، ويختلط الغث بالثمين، والحقيقة بالانطباعات والشائعات والدعاية ودس السم في العسل، لذلك تظل الكتب الورقية مصدرا للمعرفة النظيفة الثرية التي تختارها بعناية مهما زاحمها النشر الإلكتروني، ولن يغني الكتاب الإلكتروني في أي تخصص كان عن الكتاب الورقي التقليدي، ولا القراءة الإلكترونية تشبع نهم القارئ الجاد المتعمق؛ لأنها تجعلنا نفقد الكثير من متعة شراء الكتاب وهضم محتوياته، وكم من أعلام وعلماء في شتى التخصصات قدموا عصارة فكرهم وعلمهم وإبداعاتهم في كتب ومراجع انتفعت بها الحضارة البشرية وعرفنا هؤلاء من خلال كتبهم، وللكتاب عشاق كثر طبقوا قول المتنبي: «وخير جليس في الزمان كتاب». النشر الإلكتروني المنضبط له فوائده في التنوع المعرفي وسرعة الوصول لما نريد، إلا أن جوانب ومظاهر الفوضى العنكبوتية تظل قضية حاضرة بقوة أمام وزارات الثقافة والإعلام في مختلف دول العالم ومن المعنيين بشؤون وشجون الفكر والثقافة، ولا تتوقف النقاشات والآراء وندوات ومؤتمرات لطرح تلك الجوانب حول واقع ومستقبل الكتاب المطبوع والصحف الورقية. أما القلم فلن يغادر المكاتب ولا الجيوب، ولطالما سطّر من الإبداع والعلوم وتاريخ الأمم، ودوّن به الإنسان كلمات الفرح ونقل بحبره لغة المشاعر، ونزف مع آلام البشرية عبر العصور، وكم للأقلام من مسميات وأسعار وأشكال وألوان، وتبارت الشركات في العالم لتطويره وتوفيره للبسطاء والأثرياء والعامة وأصحاب الفكر على السواء، ولا يزال من الأقلام أبو ريال إلى مئات الريالات، إنه سلاح العلم والمعرفة ومداد الثقافة، وما أجمل الريشة والمحبرة من شعار رغم كل الوسائط الحديثة للقراءة والكتابة. قبل أسابيع قليلة ودعنا دورة معرض جدة الدولي للكتاب، وها هي أسابيع قليلة لينتظم معرض الرياض، ويقصدهما الآلاف من العاصمة والعروس والمدن الأخرى، ولطالما سافر الكثيرون من عشاق القراءة لحضور معارض خارجية طلبا لكتب الأدب والثقافة والنقد والسياسة والاقتصاد والعلوم الشرعية والإنسانية. القراءة الإلكترونية تصعب فيها تصفح مئة صفحة ولا خمسين منها، وبالكاد كوجبات سريعة لدى الكثيرين يكفي منها عناوين وأسطر لا تسمن ولا تغني من جوع في العلم والمعرفة، ناهيك عن تفشي الاقتباس والنقل وجرائم السرقات والتعدي على الملكية الفكرية، وهذا لا يبني إلا عقلا ضحلا ضالا، والصورة لا تؤسس علما ولا تثمر فكرا. لهذا لا بد من تشجيع الكتاب والقراءة كمشروع وطني مهما كان طغيان العالم الافتراضي ووسائطه الإلكترونية.