تمتلئ أجندة سياسة إدارة ترمب، على المستوى الخارجي، بمواضيع خطرة وقضايا كبرى ساخنة. ومن تحليل الأحداث المعنية وتوجهات واهتمامات هذه الإدارة (حتى الآن - يناير 2017م) يمكن القول إن: أهم القضايا، بالنسبة لهذه الإدارة، على المستوى الخارجي بعامة، تهدف لتكريس هيمنة أمريكا على النظام العالمي، عبر تقوية الذات الأمريكية اقتصاديا وسياسيا، وإضعاف المنافسين. وسيتجلى ذلك في القضايا التالية، المرتبة ترتيباً تنازلياً (حسب الأهمية) الأكثر أهمية، فالأهم، فالمهم. وقد بدأنا بتلخيص قضايا المنطقة العربية في المقال السابق. ونوجز هنا أبرز الملفات والقضايا الأخرى. أولا: الوضع في شرق أوروبا: محاولة حل إشكالية «الدرع الصاروخي» الأمريكي المقام في شرق أوروبا، وفتح ملف العلاقات الروسية - الأمريكية من جديد، ومحاولة لجم الدب الروسي... ومعروف أن إدارة أوباما تسببت في توتير العلاقات الغربية مع روسيا... بإصرارها على إقامة ما يعرف بالدرع الدفاعي الصاروخي على مشارف الحدود الغربية الروسية... بحجة حماية أوروبا وأمريكا من هجمات صاروخية قد تشن من إيران...؟! ولكن الهدف الحقيقي لذلك المشروع، كان – وما زال – محاصرة روسيا عسكرياً وصاروخياً... وهو الأمر الذي ترفضه روسيا، وتعمل جاهدة على إفشاله، ومواجهته. إضافة إلى رفض روسيا العقوبات الغربية ضدها، بسبب قضيتي أوكرانيا وشبه جزيرة القرم. *** ثانيا: العلاقات الأمريكية – الصينية: تعتبر الصين ثاني أكير اقتصاد عالمي بعد أمريكا. ولعلها الآن المنافس الأول لأمريكا. وهي أكبر مصدر للسلع للولايات المتحدة، وأكبر دائن. والعلاقات الثنائية بين البلدين كثيرا ما يسود فيها الصراع على التعاون. ومعروف، أن من أهم عوامل الصراع بين أمريكاوالصين هي: المسألة التايوانية، ورعاية الصين لكوريا الشمالية، والتواجد العسكري الأمريكي المكثف في بحر الصين الجنوبي. إضافة إلى التنافس الاقتصادي والتجاري الحاد، وسباق التسلح الصامت بينهما. وقد اتسمت تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب ترمب الأخيرة عن العلاقات الأمريكية مع بكين بالعدائية. فمنذ عام 1979م بدأت أمريكا ما يسمى ب«سياسة الصين الواحدة»... معتبرة بكين الحكومة الشرعية لكل الصين (بما فيها جزيرة تايوان). ولكن ترمب تحادث مع رئيسة تايوان السيدة «تساى انغ ون»، التي ستأتي لواشنطن قريبا، لتلتقي (رسميا) مع ترمب. إن حصل هذا، فانه سيحسب تخليا أمريكيا عن التزام شهير ب«صين واحدة». وكل ذلك تسبب في توتر العلاقات بين هذين القطبين. إذ أثار استياء الصين وانتقادها. فصدر عنها تهديد بالانتقام... إن مضى ترامب في تحديه هذا. *** ثالثا: تحسين وتطوير العلاقات الأمريكية مع أمريكا اللاتينية (البوابة الخلفية لأمريكا)... تلك العلاقات التي تهم أمريكا كثيراً، والتي تأثرت هي الأخرى، بالسلب من مواقف ترمب أثناء حملته الانتخابية، وما صرح به تجاه بعض القضايا الحيوية التي تهم تلك القارة بعامة، والمكسيك الجارة على وجه الخصوص. ولا يتوقع شروع أمريكا في بناء سور على حدودها لوقف هجرة المكسيكيين، كما طالب ترامب في حملته الانتخابية. ولكن سيتم التشدد ضد هذه الهجرة. رابعا: محاولة التوسع في نشر النفوذ الأمريكي في أفريقيا... وتقليص النفوذ الصيني المتزايد في هذه القارة، التي تخضع الآن لمطامع دولية مختلفة، ومحاولات بسط نفوذ واسعة... خامسا: دعم «حلف الناتو» وتقوية علاقات أمريكا بحلفائها الأوروبيين. ويشمل هذا البند تطوير وتحديث ترسانة أسلحة الدمار الشامل بالولاياتالمتحدة. *** وهناك، ولا شك، قضايا أخرى هامة. ولعل ما ذكر هو أهم القضايا الخارجية بالنسبة للإدارة القادمة. وجدير بالذكر هنا أن بعض المراقبين يرون: أن ترمب لم يوفق في اختيار بعض وزرائه، وفي مقدمتهم وزير خارجيته «ريكس تيليرسون». فمن شروط نجاح أي وزير خارجية أن يكون خبيرا بالشؤن الدولية. وهذا غير متوافر في السيد «تيليرسون». فالأخير رجل أعمال لم يمارس العمل السياسي بشكل مكثف... تماما كرئيسه. وبالتالي، يتوقع المراقبون أن يغلب توجه إدارة الشركات على السياسات الأمريكية الداخلية والخارجية القادمة. وذلك سيؤدي إلى نشوء الكثير من الإشكاليات والعثرات. فالدولة – أي دولة – لا يمكن أن تدار إدارة سليمة وناجحة، كشركة... لأن «الدولة» شيء، والشركة شيء آخر. *** ويلاحظ أن القضية الكبرى الأولى، بأبعادها الأربعة التي تطرقنا لأهم ملامحها في المقال السابق لهذا، تمس مباشرة العالمين العربي والإسلامي. وأي تطور سلبي في قضاياها المتفرعة غالبا ما سيلحق ضررا بشعوب العالمين العربي والإسلامي. وذلك قد يفاقم من العلاقات المتوترة أصلا بين الشعوب العربية والحكومة الأمريكية. لقد نتج عن السياسات الأمريكية السلبية، وخاصة سياسات المحافظين الجدد، تزايد الامتعاض الشعبي العربي والإسلامي تجاه الولاياتالمتحدة. وهذا أعاق كثيرا تطور العلاقات العربية – الأمريكية للأفضل. وقد يقدم الرئيس الأمريكي «دونالد ترمب» على اتخاذ مزيد من السياسات السلبية تجاه العرب والمسلمين، بدل محاولة مد جسور تفاهم حقيقي معهم، ومحاولة «إزالة أسباب سوء الفهم، والكراهية، بين الجانبين»، وتأكيد رغبة أمريكا في علاقات حسنة ومفيدة مع العرب والمسلمين. وباختصار، فإن أغلب المؤشرات حتى الآن تشير إلى أن سياسات ترمب القادمة لن تكون، مع الأسف، على النحو المرجو والمأمول، عربيا وإسلاميا. [email protected]