في ظل ثقافةٍ تزاوجت فيها مفردتا (حرام) و(عيب) أنتجت حملاً مشوهاً تمخض عن مسخٍ خطير منعَ الناس من ممارسة حياتهم الطبيعية كسائر البشر الأسوياء، وردّهم عن أمور كثيرة من ضمنها مشاركة لاعبي العالم في لعبة الشطرنج التي تنظمها الأولمبيادات العالمية وتقام لها الدورات التنافسية بين دول العالم كلها إلا نحن.هذه اللعبة التي يستخدمها أطباء علم النفس كعلاج لمرضى الاضطراب النفسي وهو أحدث طرق العلاج النفسي الإبداعي، وقد حقق نتائج إيجابية في التعامل مع الأطفال الذين يعانون من ضعف الانتباه وفرط الحركة، والاضطرابات العصبية والسلوكية. وفي بعض دول العالم اعتُمدت مادة الشطرنج مادةً أساسية في المدارس مثلها مثل الرياضيات والعلوم والحاسب الآلي. هذا ولم يكن اهتمام البشر بالشطرنج منذ القدم نابعاً من فراغ ولم يكن لمجرد اللهو أو التسلية بل لأنها لعبة ذات مزايا تعود بالنفع على عقل الإنسان. نجد أنفسنا قد فتحنا أعيننا على أن الشطرنج (حرام) علماً أن القرآن لم يذكره ولم يأت عليه الحديث، وقد يكون وما يزال عيباً رُقّي رتبةً فصار حراماً. ونستحي من قول هذا على رؤوس الأشهاد لكننا لا نستحي أن نمتنع عن اللعب ومخالفة بقية البشر الذين يلعبون هذه اللعبة العجيبة. والمؤسف في الأمر أنه لم يكن يوجد في بلادنا شيء اسمه الاتحاد السعودي للشطرنج كبقية الاتحادات الرياضية. ولم يكن لدينا إلا الجمعية السعودية للشطرنج التي كان قد رأسها الرئيس السابق للنادي الأهلي الأستاذ مساعد الزويهري، ولا علاقة لهيئة الرياضة بهذه الجمعيّة ولا حتى الإعلام بشقّيه المرئي والمسموع، بل إنها تعتمد على جهود ذاتية لمجموعة من الشباب السعوديين المحبين لهذه الرياضة التي تشارك فيها كل دول العالم. وقبل أشهر قليلة احتضنت مدينة باكو الأذربيجانية لاعبي مئة وثمانين دولة في بطولة الأولمبياد العالمي للشطرنج، وشارك لاعبو المنتخب السعودي المكون من خمسة لاعبين هم: عماد الحبيب وأحمد بوكنان وعبدالرحمن مسرحي وأحمد الغامدي وفهد التركي، وهؤلاء اللاعبون شاركوا في معزلٍ عن هيئة الرياضة وعن وزارة الثقافة والإعلام، وقد دفعوا رسوم المشاركة وتذاكر الطيران والسكن وكل ما له علاقة بالبطولة من تكاليف أخرى من حساباتهم الخاصة. أفرزت بوادر التحول الوطني تغييرات جديدة في هيئة الرياضة وفي اللجنة الأولمبية، فشُكلت اللجنة السعودية للرياضات الذهنية، وتحت لوائها لعبة الشطرنج، وقد وعد رئيسها الأستاذ عثمان بن طارق القصبي بوعودٍ نأمل أن تتحقق في القريب العاجل، وأن تمنح المجال الذي يتسع لها ولأفكار من يعملون على تنفيذها. وقفة: ما الذي يمنعنا من أن نكون كبقية دول العالم نشارك في بطولة الشطرنج برؤوسٍ مرفوعة بدلاً من أن نذهب مكسوري الجناح نشارك على استحياء، تطاردنا سهام أوهامنا التي زرعها مَن توهّم فصدّق ما توهّم.