يؤمن ضيفنا أن إدارة الثقافة مزيج خلاّق بين الشغف والمعرفة والتنفيذ، لا يلتفت كثيراً للمحبطات كما يصفها، لكنه يستفيد من التجارب الناجحة.. يرحب بالنقد، ولا يتسرع في الردود على الآراء المطروحة التي تقدح في عمله، لكنه يكشف في هذا الحوار أن هناك أشخاصاً ينتقدون لأهداف شخصية، وليست لوجود أخطاء منطقية ومقبولة.. أحمد الملا في هذا الحوار يفتح أبوابه ل«عكاظ» حول عمله مديراً في جمعية الثقافة والفنون في الدمام، فإلى نصّ الحوار: • يرى أحمد الملا ابتداء بأن كل ما تحتاجه الطاقات الشابة الفرصة والتشجيع والقليل من الإمكانات، لينتج ويبهر.. هل وجد الملا هذه الأشياء كي يحقق كلّ هذا الوهج؟ •• في البدء كان عليّ إعادة ترسيخ أسس الإدارة الثقافية، المزيج الخلاق بين الشغف والمعرفة والتنفيذ، العمل بروح الفريق مع نكهة التفرد، على أن يسير كل ذلك على أرض ممهدة بالحب والابتسامة، وهو ما وجدته متحققا في زملاء العمل المتطوعين جميعهم في جمعية الثقافة والفنون بالدمام، لهذا تجد أن لكل مهرجان شخصيته وإدارته المستقلتين. • لديك فريق عمل اهتمّ بالتفاصيل الدقيقة واشتغل عليها.. كيف استطعت خلق هذا التوافق بين هذه المجموعة من الأشخاص في المكان والوقت المحددين، لتحقق هذا النجاح الذي بات يشار إليه في كل حديث عن الفعل الثقافي الأبرز على مستوى الوطن؟ •• لدينا (5) مهرجانات في العام الواحد.. مهرجان أفلام السعودية، مهرجان بيت الشعر، مهرجان الدمام المسرحي، مهرجان الطفل المسرحي، ومهرجان الطفل والعائلة، هذا إلى جوار الفعاليات المنفردة والملتقيات والمعارض. حاولنا صناعة منتج يمتلك صبغته وهيكله المتفرد، مع العمل على استمرارية الفعل وتطويره ليحقق تراكما لدى العاملين عليه من جهة ولدى الجمهور المتابع من جهة أخرى، حتى أصبح الحضور لأمسية شعرية 300 من الجمهور. • هناك من يرهن نفسه وعمله لعقد مقارنات ربما تكون معروفة للجميع بين وضعنا الثقافي والفني الفقير في موازنته المالية، وثرائه بالطاقات الإبداعية، وبين أوضاع دول قريبة منا أقل إمكانات ثقافية وفنية وموازناتها تفوقنا بأرقام خيالية.. كيف استطاع أحمد الملا كسر هذه المقارنات وتجاوزها بلقاءات وملتقيات سنوية باتت حديث المهتمين؟ •• كما تعرف لدينا في الجمعية اطلاع على الكثير من المهرجانات الخارجية، ولم نضع المقارنات المحبطة أمامنا بل على العكس حاولنا الاستفادة من كل التجارب التي عايشناها في المهرجانات الأخرى، وكان علينا الاستفادة من تلك المعرفة والاطلاع، ركزنا على المحتوى والهدف لكل مهرجان، ثم اعتنينا بحرفية في صياغة التفاصيل ومن ثم غلفنا ذاك كله بمحبة وطاقة إيجابية. • اشتغلت في جمعية الثقافة والفنون في الدمام على جانبين: فعل ثقافي، وعمل فنّي، لماذا الثقافي إلى جانب الفنّي مع أنّ هناك نادياً أدبياً يمكنه العمل على جانب في الوقت الذي تتفرّغ الجمعية لجانبها الفنّي؟ •• نعمل تبعا لما تُعنى به الجمعية ألا وهي الثقافة والفنون. ومن جهة أخرى فإن الساحة شاسعة جرداء وتحتاج للعمل الثقافي والفني أضعاف ما نقوم به، والمجال يتسع لأكثر من جهة لتعويض الساحة ما نفتقده من فعل ثقافي وفني يومي.• مع كل عمل ثقافي تقومون به في جمعية الثقافة والفنون يدور لغط كبير، وأحاديث هنا وهناك، عن جوانب القصور، والضعف، وربما هناك من ينسف كلّ هذه الجهود.. ماذا تقول لهم؟ •• علينا أن نعترف أولا أن من يعمل سيكتشف نواقص الفعل.. وفي رأيي أنه يحق للجميع قول رأيهم حول ما نقدم سلبا أو إيجابا.. فالذائقة تختلف في الأداء الثقافي والفني عن غيرها من المجالات.. عادة نشكر سريعا من يلوح لنا بالإعجاب ونتريث أمام ملاحظات المشاركين والزائرين وهو ما لمسناه في مهرجاناتنا السابقة كلها، لكن وصلتني رسالة كما وصلتك فيها الكثير من الانتقاد السلبي لمهرجان بيت الشعر الثاني دورة فوزية أبوخالد وكانت من شخصية لم تحضر المهرجان وهو موظف في ناد أدبي احترمه، وسبق أن تواصلنا مع النادي الذي يعمل به في مهرجان بيت الشعر الأول دورة محمد العلي وأرسل كتب محمد العلي لوضعها مع مطبوعات المهرجان والأندية الأدبية الأخرى وكان مصرا على أن يصعد على المسرح ليلة الافتتاح لتكريم العلي، وكان ذلك مقترحا متأخرا خارجا على برنامج الحفل.. وقد تم الاعتذار عنه، ناهيك عن الرسائل الشخصية، فالساخر في الأمر أن إدارة النادي الأدبي أرسلت لنا عقب انتهاء المهرجان طلباً بقيمة كتب محمد العلي التي وزعت في المهرجان.. وقد تم لهم ذلك وأرسلنا شيكا بمبلغ الكتب. ما أقصده هنا أننا نجتهد في عمل عام يحق لكل من حضر أن يقدم رأيه فقط، كنت أتمنى أنه ليس شخصا له سابقة مع المهرجان.• تجربة «بيت الشعر» فكرة انطلقت بمحمد العلي، واستمرت بفوزية أبو خالد... كيف بدأت الفكرة؟ وعلام بنيت؟ •• بدأت الفكرة قبل دورة محمد العلي بعام.. وكانت احتفالية لمدة (3) أيام بمناسبة يوم الشعر العالمي 2014 بالتعاون مع جماعة الوعد الثقافي في المنطقة الشرقية ومن ثم تم تأسيس بيت الشعر في الجمعية والتخطيط لعمل مهرجان عربي سنوي تمتزج فيه الفنون تحت شعار شخصية مكرمة رائدة. • هناك من ينتقد الجمعية في عدم وضوح مسمّى مهرجان الشّعر، ويتساءلون، لماذا لا يضم مختلف تيارات الشّعر بما في ذلك القصيدة العمودية؟ •• مهرجان بيت الشعر ليس الوحيد الجامع المانع في الساحة.. هناك في جازان مهرجان له شخصية مختلفة وكذلك في الباحة.. إضافة إلى سوق عكاظ وغيره.. على كل مهرجان أن تكون له شخصية وبناء معماري مختلف.. الساحة تحتاج للكثير من المهرجانات.. أما كلمة «الوضوح» هنا فهي ليست واضحة! • هناك من يرى أن اختيار «محمد العلي» لتكريمه في دورة «بيت الشعر» الأولى كان يهدف إلى شرعنة قصيدة النثر، فيما كرمت فوزية أبو خالد في الدورة الثانية لبعث قصيدة النثر وإحيائها من جديد... هل التكريم كان مظلّة لقصيدة النثر كما يظنّ بعض المتابعين أم أنه احتفاء فعلي برمزين مهمين؟ •• لا يحتاج أي شكل تعبيري فني إلى «شرعنة»، وأعتقد أننا تجاوزنا مسألة تصنيف الشعراء حسب الأشكال التعبيرية. السؤال هنا هل هناك من يقلل من أحقية الشخصيتين بالتكريم؟! وهل هناك من يدل على تقصير في أداء التكريم من إدارة المهرجان؟• أنت متّهم بالسعي للبهرجة الإعلاميّة أكثر من الاشتغال بالثقافة والأدب.. ما رأيك؟ •• أحاول بشدة توفير الوقت ل«البهرجة».. فلدينا (5) مهرجانات متوالية إضافة إلى النشاط الثقافي والفني اليومي المستمر وهو أمر يحتاج إلى متابعة إعلامية متواصلة، نحاول قدر الإمكان التخفيف من التركيز على الأفراد وتوضيح العمل الجماعي الذي نمارسه فعلا. في كل الأحوال عندما أسندت الإدارة لي من قبل سلطان البازعي رئيس مجلس الإدارة وعبدالعزيز السماعيل المدير العام السابق اتفقت معهما على تولي إدارة فرع الدمام لمدة (4) سنوات تبقى منها هذا العام 2017 وحينها أعدك أني سأنشغل بهمي الثقافي الشخصي بعيدا عن «البهرجة» الإعلامية.• أنتم في جمعية الثقافة والفنون في الدمام متهمون بأنكم شلليون.. ماذا تقول؟ •• جمعية الثقافة والفنون بالدمام مفتوحة أبوابها طوال الأسبوع لجميع المثقفين والفنانين، وكل مرافقها يتم الاستفادة منها لمن يساهم في تحريك الحالة الثقافية.• الشاعر علي الدميني أعلن في وقت سابق موقفاً أدبياً من الطريقة التي تم بها نشر ديوان «لا أحد في البيت» الذي صدر في ليلة تكريم «محمد العلي» في الجمعية، واعتبر الكتاب جناية على محمد العلي، ووصف الأمر بالصدمة لأنه يقرأ ديوانا عليه اسم محمد العلي، ولكنه ليس له، واتهم الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون بالدمام بأنها تريدُ تشويها أدبيا للديوان، نتيجة العبث التحريري بعلمٍ سابق من إدارتها.. ما تعليقك؟ •• محمد العلي اطلع على الكتاب وتمت طباعته بموافقته المسبقة، وفي مقدمة الكتاب ما يجيب على فحوى السؤال. • كيف استطاع أحمد الملا تجاوز التقشّف والتقتير المالي وشح ميزانية الجمعيّة لتحقيق العديد من المهرجانات كمهرجان السينما والمسرح وبيت الشعر، إضافة إلى العديد من الفعاليات الثقافية المختلفة؟ •• كل مهرجان يحتاج ما لا يقل عن 4 أشهر من العمل المتتابع.. لهذا تجد الجمعية فيها أكثر من غرفة عمليات في وقت واحد.. وفرق إدارية مختلفة تعمل في آن. نصنع كل مهرجان على أنه منتج ثقافي له دليله المسبق الذي نعمل به على تسويقه والبحث عن شركاء داعمين له معنويا وماديا. نعم، لم نجد أي دعم يذكر من وزارة الثقافة والإعلام مع الأسف، ولكن كانت إمارة المنطقة الشرقية خير عون لنا.