اختلفت الآراء حول قصيدة «النثر» في السعودية بين شاعر يكتبها ويرى أنها حاضرة ولافتة في الوقت ذاته، وناقد يؤمن بقصورها، وأنها لم تتجاوز الترجمة والتقليد. الناقد والشاعر الدكتور عبدالله السفياني من أولئك الذين يؤمنون بضعف قصيدة النثر في السعودية واستسهال الشعراء كتابتها، وأحد الذين يشترطون لها شروطاً ومعايير، إذ يرى أنّ ما يجري في المشهد الشعري السعودي والعربي عموما، هو الاعتقاد السائد لدى كثيرين أننا ما دمنا نزعنا الوزن والقافية، فكتابة قصيدة نثر أمر هين، فتعقيدات الوزن والقافية والتخلص منها أشرعت الباب لكل الهاوين «والخواطرجية» أن يأتوا إلى المشهد الشعري بخواطرهم النثرية تحت غطاء قصيدة النثر في غفلة المواكبة النقدية الجادة التي لا تجامل الوجوه الإعلامية أو النسائية على حساب المنجز الشعري. ويضيف السفياني: العجيب أن شرط الوزن والقافية ليس بأصعب من المواصفات الشعرية الأخرى، بل هو الحلقة الأسهل والأضعف، لكن لدقة المعايير الأخرى وعدم وضوحها للشخص العادي الناظم أو الناثر يظنها لعبة مجاز واستعارات وصفّ للكلمات الجميلة دون معرفة بدقائق الصنعة وخفاياها التي تجعل الناقد يفرق بين قصيدة وأخرى كما يفرق الماهر الحاذق في الرسم بين صورة وأخرى ويفرق الطباخ العظيم بين نكهة وأخرى ودقائق الصنعة ومعرفتها هي التي جعلت الجاحظ والنقاد القدماء يشبهون عمل الناقد بالصيرفي الذي يميز جيد العملة من زائفها! ويرى السفياني «أننا الآن بحاجة إلى صيارفة النقد ليقولوا للأصدقاء الذين يطلّون الآن ومن قبل عبر نافذة قصيدة النثر دون إدراك لحقيقتها: كفّوا أيديكم، فقصيدة النثر نصّ أخطر وأدقّ ممّا تتصورون، إنها دهشة تجعلك في حيرة من الجمال دون أن تخضع أذنك لإيقاع التفاعيل، وكفّهم عن هذا الصنيع هو خدمة لأنفسهم لأنّ الذائقة العربية بدأت من فترة تستعيد عافيتها وتصرخ في وجه الخطأ والنشاز وهو كذلك خدمة لقصيدة النثر التي صارت تترنح في الرمق الأخير». فيما يرى الناقد محمد الحرز «أن النغمة ذاتها تعود إلى الوسط الثقافي والصحفي، والأسئلة نفسها تحديدا: «هل قصيدة النثر شعر أم لا؟ نحن لا توجد عندنا قصيدة نثر، والوثوقية المطلقة والأحكام الجاهزة والجهل المركب هو ما تتسم به ترددات هذه النغمة». ويضيف الحرز «ربما من السخف والمهازل الكبرى أن يأتيك صحفي لا يفرق إيقاعيا على الأقل بين الشعر الموزون وغير الموزون ناهيك عن التحولات التي طالت مسار القصيدة حتى لحظتها الراهنة محليا وعربيا ثم يتحدث عن انحسار قصيدة النثر عن الساحة الأدبية وكأنه جاء بالقول الفصل والرأي المطلق. للأسف الصحافة الثقافية والأدبية عندنا –ولا أتحدث هنا بإطلاق– لم تقارب الظواهر الأدبية والثقافية التي تشكل رافعة للتغيير والتحول الاجتماعي والثقافي من منطلق طرح الأسئلة ومن ثم البحث عن إجاباتها بعيدا عن مفهوم الإثارة الصحفية التي لا تؤدي سوى إلى الالتباس وسوء الفهم والضبابية لجل هذه الظواهر». ويستشهد الحرز «بالحديث المعتاد عند نهاية كل مهرجان يحقق نجاحا وحراكا مهماً بحيث لا يكشف سوى عورات الذين لا همّ لهم سوى تصيد الأخطاء التي لا تغني ولا تسمن من جوع إزاء ما تم تحقيقه من حراك. مثل هؤلاء ينطبق عليهم المثل المصري «ماسك في الزرار وسايب الجاكيت»، كما حدث مع مهرجان بيت الشعر الثاني «دورة فوزية أبو خالد» الذي لاقى أصداء طيبة في الخليج والوطن العربي، لكن ذلك لم يمنع أن تخرج أصوات لتقول إن القائمين عليه يمارسون الإقصاء والتهميش أو من قبيل هناك شللية أو بذريعة أن النصوص لم تتسق مع ذائقتهم فعليه ثمة إقصاء واستبعاد ووو... إلخ». ويؤكد الحرز أنّ وراء الأكمة ما وراءها عند البعض، وأن ما يحرك مثل هذا الكلام ليست أسبابه ثقافية على الإطلاق، وأن الصراعات النفسية والمنفعية هي التي تطلّ برأسها في مثل هذه السياقات، ويصف «الحرز» هذه العقول بالاختزالية عند بعض الصحفيين والكتاب والمبدعين الذين لا يرون من خلاله سوى الشاعر باعتباره لا يكتب سوى شكل واحد للقصيدة، وبناء عليه هم لا يستوعبون معنى التعدد في الوحدة، والمصيبة أنهم يبنون جل آرائهم وفق عدم الاستيعاب هذا. أما الشاعر عبدالله ثابت أحد الشعراء الذين يكتبون هذه القصيدة فإنّه يرى أنّ هذا الإطلاق لا يستحق النقاش من أساسه، فهو لا يحمل نقداً رصيناً ولا تطبيقاً منطقياً ولا تعليلا واضحاً، ولا أي شيء. ويضيف «ثابت» هذا كلام معتاد ومرسل، وأقرب للمماحكة من الرصانة النقدية، ويتساءل «ثابت»: لماذا لا تقدّم دراسة حقيقية وتطبيقية ويقول فيها أصحاب هذا الرأي ما يشاؤون؟!. ويؤكّد «ثابت» على أنّ قصيدة النثر في السعودية، ومع أنها لم تحظ بالاهتمام الكافي بعد، إلا أنها متقدمة وملفتة، ولها مكانتها وقيمتها الحاضرة عربياً، ويمكن العودة لتجارب العديد من الأسماء، وفي أكثر من جيل، واستلهامها لحيواتهم وتجاربهم ورؤاهم وإلهامهم، خالصة مخلصة، ويستشهد ثابت بشعراء كثيرين لهذه القصيدة ك«فوزية أبوخالد، أحمد الملا، محمد خضر.. وغيرهم».