يتحدث كثيرون عن أهمية الحياد في الإعلام، فالحياد يضمن للإعلام تحقق قيم مهمة مثل الصدق والنزاهة والشفافية والموضوعية، وذلك يكسبه ثقة المتلقين ويزيد في احترامهم له وإقبالهم عليه، فيعزز ذلك تأثيره فيهم وهو المهم. لكن الحياد لا يمكن أن يتحقق في غياب الحرية عن الإعلام، فالحرية شرط لازم لوجود الحياد، وما لم تكن هناك حرية إعلامية فإنه لا أمل في حيادية الإعلام. لأن الإعلام حين يكون حرا، لا يكون مضطرا إلى أن يجامل أحدا، أو أن يعمل لخدمة أهداف غيره، وليس ملزما بتلقي توجيهات من خارجه تملي عليه ما يقدم من مواد إعلامية، أما فقده للحرية فيجعله على النقيض من ذلك. إلا أن الحياد في بعض وسائل الإعلام، يساء استخدامه، فيفقد سمته النبيلة ويتحول إلى نوع من أنواع السلبية الخاذلة للحق. فبعض وسائل الإعلام العربية تتعامل أحيانا (بحيادية) مع بعض القضايا العربية المسلم بعدالتها، وتكتفي بالحديث عنها بلسان المتفرج الذي يصف ما يشاهد دون أن تتخذ موقفا إيجابيا، بحجة اتباع الحياد. لكنها بمفهومها هذا لمعنى الحياد، تتجاهل أنها تخلت عن واجبها في أن تكون نصيرة للعدل، وأن تقوم بالدور المسند إليها في أن تكون (السلطة الرابعة) كما تصفها العبارة الخالدة. هناك وسائل إعلام، تفهم من الحياد أن تجعل نفسها مجرد ناقل، فتنقل كل شيء، الحق والباطل، الصدق والزيف، بدون أن تظهر ما هو مختف من حقائق أو ما هو مدرج من تزوير أو مبالغة أو كذب، فتصير لا فرق بينها وبين المرآة، التي ينحصر دورها في أن تريك ما يظهر على سطحها لا غير، فليس من خصائص المرآة أن تغوص إلى ما وراء ذلك. إساءة بعض وسائل الإعلام لفهم معنى الحياد، جعلها تقف موقفا سلبيا تجاه بعض القضايا الإنسانية، وحرمها من أن يكون لها رأي وموقف ثابت تجاه بعض المبادئ الأخلاقية العليا، ففقدت دورها الإيجابي في دعم الحق وفي الدفاع عما تؤمن به من وجوه العدالة، وفي الكشف عن الفاسدين والمجرمين والمنافقين. فتجمد دورها السامي في أن تكون سلطة رقابية عليا. حيادية الإعلام لا تعني سلبيته، قدر ما إنها تعني أن لا يبيع أمانته من أجل المال أو غيره، وأن لا يسلم قياده سوى للمبادئ التي يؤمن بها، فلا يخضع لتوجيهات ترسل إليه عن بعد، ولا يتبنى آراء وأفكاراً يمليها الآخرون. أما أن يكون له رأي واضح، وموقف ثابت تجاه ما يؤمن به من مبادئ وقضايا عامة، فذلك ليس إلا برهانا على أنه يحترم الحق والحقيقة.