إن كانت الحيادية تعني عدمُ الميْل والانحياز إِلى أي طرفٍ من أَطرافِ الخُصومة؛ فإنها غالبا شاعت في مجتمعنا النامي بمفهوم المراوغة، وعدم الوقوف بجانب أحد الفريقين لاجتناب التصادم مع أحد المتصارعين؛ وهذا جعلها ذات صبغة سياسية نظرا لسيطرة السياسة على تحريك الصراع الدولي مما يبلور المعنى الإيجابي: بعدم الانحياز لأي كتلة من الكتل المتصارعة دوليا، وهي بشكل عام تنطلق من البقاء في المنطقة المتوسطة والتزام الصمت والوقوف بعيدا عن منطقة الصراع برمتها. الحياد الاجتماعي يمكننا من الحكم على الشخص من خلال أسلوبه في المحايدة فهل المسالمون الصامتون الذي لا يشاركوننا ولا يخالفوننا الرأي يتمتعون بالذكاء الحيادي؟!حيث إنهم ينتظرون غلبة أحد الطرفين ليضمنوا مكاسبهم معه وحتى لا يقعوا فريسة ثورته وغضبه! وعادة في المجالس العامة ما يقع المحايد ضحية السفسطائيين فيلجأ إلى الترفع عن سفاسف الحديث بالمحايدة، وعدم اعتناق أحد الرأيين لأنهما لم يقنعاه وهذا هو «الحيادي الإيجابي» أما على صعيد العمل فنجد بعض الموظفين لا يدلي برأيه إذ لا يطيق إغضاب رئيسه وخسران بعض الامتيازات! وهذه «حيادية سلبية»! قائمة على انهزام الذات التي تجبن عن المواجهة وتبني الرأي. الحياد لا يكون في تجنب الإقرار بالرأي تجاه الثوابت، والقناعات فلابد للإنسان من تسجيل موقف فتمييع الرأي «محايدة مقيتة» وخيانة للدين والمبدأ، ودليل سافر على مداهنة الباطل فمهما كانت العاطفة لصيقة بالإنسان لا يبررها جرم إخفاء الحقائق بالحياد. إن هؤلاء الساكتين يستحقون أن يحتقرهم التاريخ ويطمر ذكرهم فهم لم يفعلوا شيئا يستحق تخليد ذكراهم فالإنسان الحر الشجاع الجدير بالخلود من كانت مواقفه تعبر عن عقله ورأيه وموقفه بأسلوب مقنع بعيد عن الجرح والميل والانفعال. تتعرض قناعاتنا للأدلجة بين حين وحين مما يجعل اختيار أحد الأمرين صعبا؛ هنا لا ضرر من الحيادية ما دامت لم تنطوِ على نصرة الباطل وخذلان الحق، واضطهاد الضعيف ومداهنة القوي.