في إطار محور: "التواصل الدولي" ضمن محاور مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير مرفق القضاء، الهادف لتعزيز الحضور الدولي للقضاء السعودي، وإفادته من الخبرات والتجارب العالمية في الجوانب الإجرائية والإنشائية والتجهيزية والبنية التحتية، والانفتاح نحو آفاق هذا التواصل بفاعليته، فضلاً عن الترجمة الإيجابية لقضاء المملكة، وشرح مراحل تطوره الإجرائي وتحديثاته الإصلاحية التي تعلن عنها وزارة العدل تباعاً، ونوه ببعضها مجلس الوزراء في وقت سابق، ما يعطي صورة ذهنية حقيقية تليق بمستوى جهاز العدالة وفق معطيات ماثلة وناطقة، وهو ما تبذل له الدُّوَل قصارى جهدها لتعزيز الثقة بقضائها دولياً، وما لهذا من الآثار الإيجابية المتعددة سياسياً واقتصادياً اتضحت تلك المعاني في زيارة وزير العدل الأخيرة لإسبانيا على رأس وفد قضائي رفيع؛ حيث كانت ردود فعل الإعلام الإسباني لافتة على خلفية تنويه القيادات القضائية الإسبانية، ومن بينها رئيس المحكمة العليا، والمحكمة الدستورية العليا، والمحكمة الوطنية لقضايا الإرهاب والجريمة المنظمة، والنائب العام في مملكة أسبانيا وكذا وزير العدل الأسباني بالتطور والإصلاح في حقل الإجراءات والتشريعيات القضائية في المملكة، وذلك حسبما اطلعوا عليه من قبل الوفد السعودي، بالإحصائيات والأرقام والتشريعات والإجراءات والأعمال التقنية التي شرح عنها الوفد، واستطلع على إثرها التجربة الإسبانية. على إثر هذا، وضمن جدول أعمال هذه الزيارة التي وجه بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحفظه الله ارتجل وزير العَدْل الدّكتور مُحمد بن عبد الكريم العيسى محاضرة في المعهد الدبلوماسي بمدريد بإسبانيا يوم الاثنين الموافق 6/6/1432ه عن قضاء المملكة العربية السعودية، حيث أشار معاليه إلى مسيرة التحديث والتطوير في مرفق العدالة بالمملكة، مبيناً أن هناك أسساً راسخة في مفاهيم العدالة تعتبر الركيزة الأولى للقضاء في المملكة، ولا تزال، وتتلخص في اعتماد التشريع الإسلامي كمصدر للأحكام القضائية، مشيراً إلى أن هذا التشريع يحتوي على ثروة فقهية متميزة، جاءت على خلفية التعدد الطبيعي في اتجاهات الفقهاء، وعندئذ يختار القضاء ما يراه الأقرب للصواب في قراءة النص، حيث تَصدر الأحكام على ضوء اعتماد أيٍّ من الاتجاهات في تفسيره، وتُمثل هذه الأحكام سوابق قضائية تتشكل معها المبادئ، وفق اجتهادِ قضاءِ الموضوع، واعتماد المحكمة العليا لهذا الاجتهاد، أو وفق تصدي المحكمة العليا من تلقاء نفسها لتقرير المبدأ القضائي نتيجة تعقيبها على الأحكام القضائية. وأشار معاليه إلى أن المبادئ القضائية في المملكة تأخذ بالقواعد التي تمثل من وجهة نظرنا قيم عدالة حقيقية، مؤكدا أن الإطار العام في مفاهيم العدالة يتفق عليه الجميع، لكن الاختلاف يكون في التفاصيل، ومن هنا اختلفت المبادئ القضائية بين الكثير من الدول. وتحدث الوزير عن استقلال القضاء في أحكامه، وعدم التأثير عليه من أي جهة، وأن نظام القضاء تضمن إيجاد ضمانات هذا الاستقلال، منها عدم قابلية القضاة للعزل إلا في الحدود المبينة في نظام القضاء، وعدم جواز نقلهم إلى وظائف أخرى إلا برضاهم أو بسبب ترقيتهم، وعدم جواز مخاصمة القضاة بسبب أعمال وظيفتهم إلا وفق شروط وقواعد نظام القضاء. وأشار إلى أن العدالة في المملكة توفر كافة ضماناتها المتمثلة في نشر الأحكام القضائية، وعلانية الجلسات، وشفافية مجريات القضية في كافة مراحلها، والأخذ بمبدأ تعدد القضاة في أصل قضاء المحاكم الجزائية، وبعض دوائر المحاكم الابتدائية الأخرى، وفي كافة دوائر محاكم الاستئناف، وكذلك المحكمة العليا، وفي القضايا الجنائية الكبرى التي سماها النظام، تنظر هذه القضايا وجوباً من ثلاثة قضاة في المحكمة الجزائية، وخمسة قضاة في محكمة الاستئناف، وخمسة قضاة في المحكمة العليا. وتابع الوزير العيسى حديثه عن ضمانات العدالة قائلاً إنه بموجب وثائقنا الدستورية فإن حق التقاضي مكفول للجميع، وكذلك الحق في اللجوء للقضاء الطبيعي، بما في ذلك قضايا الإرهاب وأمن الدولة، فالمتهمون في هذه القضايا يحاكمون عند القضاء الطبيعي. القضاء السعودي حارس المشروعية وحامي الحقوق والحريات العامة وبين أنه لا يجوز قضاءً إخفاء أيٍّ من مستندات القضية عن أي من أطراف الدعوى بذريعة سريتها أو خصوصيتها، متى كان من شأنها التأثير على مسار القضية، وللقاضي أن يطلب ما يحقق العدالة من أي جهة ولا سيما الشخصيات الاعتبارية العامة، وعليها الإصغاء والامتثال لإرادة القضاء. وبين الدكتور العيسى أن نظام السُّلطة القضائيّة الأخير تضمن تحديث إدارة القضاءِ وترتيب المَحَاكم، حيثُ وسَّع من مفهوم التخصص النوعي في نظر القضايا وأنه يوجد في محاكم الاستئناف، والمحكمة العليا دوائر متخصصة بحسب المواد القضائية، تحرص كل الحرص على عدم الإخلال بالمبادئ القضائية المستقرة وفق السوابق، وخاصة المحكمة العليا المعنية أساساً بهذا الشأن، وبين أن نظام السلطة القضائية الجديد أعاد صياغة درجات التقاضي فسمّى المحاكم الابتدائية، ومحاكم الاستئناف، والمحكمة العليا، وبناء على هذا تفرغت محاكم الاستئناف لعملها الأساسي، وهو استئناف القضية أمامها، كدرجة تقاضٍ ثانية، وانحصر اختصاص المحكمة العليا في القضايا الجنائية الكبرى وهي مسماة في النظام كدرجة تقاض ثالثة، وفي مراقبة التطبيق الصحيح للنظام، وإرساء المبادئ القضائية وحراستها، كمحكمة تعقيب ونظام. وتحدث الوزير عن موضوع بدائل فض المنازعات وقال: نشجع على الأخذ بمفهوم: "بدائل التقاضي" للتّخفيف على المحاكم من جهة، ولتسهيل الإجراءات على المتقاضين من جهة أخرى، ولحفظ العلاقة بينهما في إطارها التصالحي من جهة ثالثة قدر الإمكان. وفي هذا الصدد تطرق معاليه إلى موضوع التحكيم باعتباره عنصراً مهماً في إنهاء القضايا، وتحدث عن نظام التحكيم في المملكة، مؤكدا أن القضاء السعودي لا يتدخل في المادة الموضوعية للتحكيم، ويهمه فيها عدم مخالفة النظام العام، وأن تنفيذ الأحكام الأجنبية وكذلك أحكام المحكمين الأجنبية تسير في هذا الإطار، ويتم النظر في طلبات تنفيذها من قبل القضاء الإداري ليؤكد المُنَظم عدم التدخل في الموضوع؛ حيث لا تحال لقاضي الموضوع بل لقاضي النظام العام وهو القاضي الإداري. وعن البَدائل الجزائية قال الوزير العيسى إن القضاءَ السُّعودي يحتفي كثيراً بالعُقوباتِ البديلة؛ إيماناً منه بأن المقصود ليس مجرد إيذاء المدان أو تقييد حريته، بعيداً عن إصلاحه، وإعادة تأهيله ما أمكن ذلك، ومن هذا المنطلق جاءت فكرة العقوبات البديلة، موضحا أنه قد صدرتْ عدّةُ أحكام جَزائية بها، تحملُ في طيَّاتها مضامين إصلاحية، وذلك فيما يمكنُ الحكم فيه بهذه البدائل حسب كل واقعة، مشيرا إلى أن أكثر الأحكام البديلة تتركز على إلزام المدان في جرائم جزائية بتقديم خدمات اجتماعية وخدمات عامة. على أنه عندما يضطر القضاء إلى عقوبة تقييد الحرية لاعتبارات وجيهة فإن الدولة تتكفل بأسرة السجين وفق ترتيب معين، وقد أنفقت الدولة مئات الملايين من الريالات على أسر السجناء. وحول حماية الحقوق والحريات العامة قال الشيخ العيسى إن القضاء السعودي هو حارس المشروعية وحامي الحقوق والحريات العامة، المشمولة بأحكام الشريعة الإسلامية، وأنظمة الدولة، مؤكداً أن المقصود بالحرية هنا الحرية المنضبطة والمسؤولة، وهي الحرية التي تحترم النظام العام للدولة، ولا تتجاوز المفهوم الصحيح لمعنى الحرية، وهذا مترسخ في دستور الدولة، لأننا يجب أن نفرق بين الحرية والفوضى، وبين الحرية والإخلال بالنظام العام، وبين الحرية والإخلال بما انعقد عليه ضمير الجماعة وتآلفت عليه، فالحرية مقيدة بهذا. وأشار معاليه في هذا الصدد إلى أنه قد صدر أخيرا تعديل لنظام المطبوعات والنشر المعني في مواده المعنية بأداء المؤسسات الإعلامية الوطنية التي تدخل في نطاق مسؤولية الرقابة الحكومية، حيث أكدت هذه التعديلات على حرية الكلمة المنضبطة ، وعلى تعزيز الشعور الوطني بمسؤوليتها ، وكانت المواد النظامية الجديدة في منطقة الوسط حيث فوتت الفرصة على من قد يستغل هذه الحرية في السياق السلبي، وكذلك من يحاول منع الإعلام من القيام بدوره المهم في نقل الحقيقة والخبر الصادق، ودوره الآخر الرقابي، فالإعلام يقوم بدور رقابي مهم، ولا يخاف من كلمته الصادقة إلا المسيء، ويجب أن يُمثل الإعلام صوت الحقيقة وترجمة النبض الصادق للرأي العام، وقد انصبت هذه التعديلات على نظام المطبوعات والنشر مع وجود عولمة إعلامية مفتوحة وحرة بإطلاق لكون المواطن السعودي يثق بإعلامنا الوطني ويعتبره أحد مصادر الحقيقة التي يبحث عنها، ويستشعر من جانب آخر رعاية الدولة لإعلامها الوطني ومسؤوليتها عن أدائه في الإطار الموضوعي، حيث يتمتع بالحرية التامة وعدم التدخل في شؤونه، لكن في نطاقها العادل والمشروع، ومتى أخل بقواعد المشروعية التي يسير عليها، فإن العدالة هي من تعيد الأمور إلى نصابها الصحيح، ولابد من حماية الأفراد والمؤسسات من أي خطأ يحتمي نظاماً برعاية ومسؤولية الدولة، وندرك في هذا السياق مبدأ العدالة العام في إمكانية طلب محاسبة أي إعلام تجاوز الحدود المسموح بها على الأفراد أو المؤسسات، ونسمع في هذا الصدد بأحكام قضائية قوية تجاه مؤسسات إعلامية، وذلك في كثير من دول العالم، تستند في أقضيتها على قوانين وطنية خاصة، أو قواعد العدالة العامة. للمرأة دور تكاملي مهم في مسيرتنا الحضارية وتنميتنا الوطنية في إطار النظام العام للدولة وعن حماية حقوق الإنسان أكد وزير العدل أن العدالة بالمملكة تحتفي بكل المعاني الأخلاقية والإنسانية الرفيعة، التي ترعى وتحمي حقوق الإنسان، وتعتبرها من أثمن القيم والأجدر بالمحافظة عليها في إطار الضمانات التي أكدت عليها الشريعة الإسلامية وأنظمة الدولة، مشيرا إلى أن الله تعالى كرم الإنسان على غيره وهي هبة إلهية، ولا مجال للإساءة لهذه الكرامة الإلهية، ولن يسيء للإنسان أحد مثلما يسيء هو لنفسه. وأردف معاليه موضحاً اهتمام المملكة بهذه الحقوق حيث أنشأت الدولة هيئة حكومية لحقوق الإنسان، وهيئة أخرى أهلية هي الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، ولكل منهما دور كبير في هذا المجال، ووزارة العدل تتعاون وفق صلاحياتها مع هاتين المؤسستين بما يخدم الإنسان السعودي والمقيم على أرض المملكة على حد سواء. وتطرق معاليه في حديثه عن حقوق الإنسان إلى التأكيد بأن المرأة السعودية تمارس دورها المشروع في الإطار النظامي للدولة، وللمرأة دور تكاملي مهم في التنمية الوطنية، وإسهامٌ بارزٌ في مَسيرتنا الحضاريَّة في إطار الاحترام والتقدير الكبير لخصوصيتها التي لا تسمح المرأة السعودية نفسها قبل غيرها بتجاوزها، ولن يستطيع أحد المساس بحقوقها المشروعة، والقضاء أكبر ضمانة لحماية هذه الحقوق، وكل هذا في نطاق نظام الدولة، ووفق ما استقرت عليه القيم السلوكية للمجتمع السعودي التي شكلت معلماً مهماً من معالم النظام العام للدولة. وأكد معالي وزير العدل عدم استطاعة أحد أن يمس الحقوق والحريات المشروعة في ظل وجود قضائنا العادل، وقال: إن الدولة ترى أن القضاء العادل باستقلاله في أحكامه وضمانات عدالته أساس كيانها وضامن استقرارها، ولذلك أعطت القضاء والقضاة من الاستقلال والضمانات والتنظيمات والدعم المفتوح ما جعل من قضاء المملكة أنموذجاً في معايير العدالة والحياد والقوة والمهابة. وأكد معالي الوزير أن قضاء المملكة ينظر للجريمة باعتبارها سلوكاً خاطئاً في المجتمع، ويقدر ظرفها المخفف وظرفها المشدد بحسب الأحوال، ويتعامل مع كافة الجرائم على أنها جرائم جنائية بما في ذلك جرائم الإرهاب، وجرائم أمن الدولة، موضحاً أن القضاء يفرق بين العمل المدني الضار، والعمل الإجرامي، فهو يرى أن الأول يولد خوفاً له بعد خاص، وتتفرع عنه مسؤولية مدنية، فيما يرى أن الثاني يولد خوفاً ذا بعد عام، وتنشأ عنه مسؤولية جنائية. وبين الشيخ العيسى أن قضاء المملكة يعاقب على الجريمة الإرهابية بعقوبة جسيمة، آخذا في اعتباره ظرفها المشدد، وانطواءَها على جرائم عديدة حسب التكييف الذي استقر عليه النظر القضائي، وذلك نظراً لأبعادها الخطيرة التي تصفها بالجريمة الفوقية في التدرج الإجرامي. وأردف معاليه يقول إن قضاء المملكة حازم في موضوع جرائم تمويل الإرهاب ويعتبرها جريمة ذاتية، بمعنى أنها تقع ولو لم يُرتكب على إثرها عمل إرهابي، وأن ركنها المادي يتحقق بتقديم المال أو جمعه وإدارته. ونوه معاليه بقدرة القضاء السعودي التصدي لهذه الجرائم بإجراءات قضائية كفلت للجميع الحصول على محاكمة عادلة لدى القضاء الطبيعي، كما كفلت المبادئ القضائية الحصول على أحكام عادلة مستقرة، حيث لا تزدوج معايير القضاء مع أطراف الدعوى تحت أي ظرف أو طارئ، فالادعاء والدفاع على منصة القضاء على حد سواء. وأكد الوزير العيسى بأن القضاء في المملكة ملتزم بنشر الأحكام القضائية، ومن بينها الأحكام الصادرة في الجرائم الإرهابية، مشيرا إلى أن الجريمة الإرهابية في المملكة في انحسار، الأمر الذي يدل على حالة الرفض والعزلة الذي تعيشه هذه الآفة، ومحاصرتها فكرياً وأمنياً وقضائياً، ما جعلها في حال تراجع واندحار، بفضل الجهود المتضافرة بتوفيق الله تعالى، وبخاصة الضربات الأمنية الاستباقية لها، ورفض المجتمع لهذه الآفة بوصفها عنصراً غريباً على مفاهيمنا، علاوة على نجاح فكرة المناصحة وإعادة التأهيل الذي أخذت به الدولة في سياق قيامها بواجب المحافظة على الأمن الفكري. وفي حديث معاليه عن القضايا الجنائية أكد أن العدالة في المملكة تُجَرِّم بشدة الاتجار بالبشر، وغسل الأموال، وتهريب وترويج واستخدام المخدرات، وتتعامل مع جرائمها بكل قوة وحزم في إطار مبادئ وقواعد العدالة، والتنظيمات المحلية، وتتعامل مع أي شكل من أشكال الإساءة للقاصرين لأهداف مادية، على أنه نوع من الاتجار بالبشر، كما تتعامل مع أي إساءة أخرى على أنها إخلال بالأمانة والمسؤولية، والقضاء في هذه الحالة ينقلُ الولاية على القاصر إلى الوليّ الأصلح، فإن لم يكن تولت الدولة الولاية عليه، ومواصلة رعايته، ولدينا أحكامٌ قضائية قوية في إسقاط ولاية البعض على القاصرين لهذه الأسباب، وقضاؤنا لا يتساهل في هذا الأمر حتى باتت المخالفات في هذا السياق حالات استثنائية معزولة، لا تُمارَس إلا في الخفاء، والتي مهما طال الزمن فإنها تنكشف، وتلقى جزاءها الرادع. حضور غفير من المدعوين للمحاضرة من الحقوقيين والدبلوماسيين والإعلاميين ولدى المملكة عدة تشريعات في المادة الجنائية كقانون: "مكافحة التزوير"، وقانون: "مكافحة الرشوة"، وقانون: " مكافحة الغش التجاري"، وقانون: " مكافحة غسل الأموال"، وقانون: " مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية "، وقانون: " مكافحة جرائم المعلوماتية "، وقانون: " مكافحة التستر". كما أن لدى وزارة العدل اهتمامات علمية وعملية في هذا الشأن، فقد أنشأت إدارة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وعقدت ملتقيات، وورش عمل، وشاركت في ملتقيات دولية بشأن كافة تلك المواد المشار إليها، ولا تزال تشارك بفاعلية، ونحن دوماً مع كل خطوة إيجابية من شأنها تحقيق العدالة وإسعاد البشرية، والقضاء على كافة الوسائل والتصرفات المسيئة للإنسانية والتي من شأنها أن تحول دون ما يجب أن تظهر به المجتمعات من صورة مضيئة ومشرقة، نقدرها في قيم عدالتنا التي تستند أساساً لدستورنا. وختم الوزير محاضرته بالحديث عن مشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله لتطوير مرفق القضاء، قائلاً قبل ما يقارب الأربع سنوات أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بالتزامن مع صدور نظام السلطة القضائية الأخير مشروعه الداعم لتطوير مرفق القضاء، وضخ له مليارات الريالات، وتم توجيه وزارة العدل بتنفيذه فيما يتعلق بالقضاء العام، وقد شرعت وزارة العدل في تنفيذ المشروع والذي تم تصنيفه موضوعياً إلى عدة أقسام: الأول: يتعلق بصروح العدالة في مبانيها وتجهيزاتها. ولدينا في هذا مشاريع كبيرة، تعتمد توفير البنية التحتية الحديثة لصروح العدالة، وحرصنا في تشييدها على تعزيز مبدأ شفافية التقاضي، من خلال قاعات الحُكم المفتوحة والواسعة، لإتاحة الفرصة للجميع لمراقبة سير العدالة. الثاني: التقنية: وقد عملنا في وزارة العدل على إحداث نقلة تقنية متميزة، ونأمل قريباً في تطبيق المحكمة الإلكترونية، التي عملنا حالياً على تطبيق جزئياتها خاصة في تقديم صحائف الدعوى، والتبليغ الإلكتروني لمواعيد الجلسات في بعض المحاكم، ولا شك أن التقنية الحديثة هي العنصر الأهم في الوصول للعدالة الناجزة، حيث تختزل الزمان والمكان، وتوفر الجهد، والوقت، والموارد البشرية، وجميع هذه الخدمات التقنية وغيرها تعتمد الدراسة اللازمة قبل إقرارها، وتدعم الوزارة البحوث والدراسات المتعلقة بالتقنية ذات الصلة بعمل العدالة، وقد أسهمنا في دعم أطروحات علمية أكاديمية في هذا الخصوص، ومن المهم أن نشير إلى أن غالب المحاكم تم ربطها إلكترونياً. الثالث: الجوانب العلمية والتدريبية والتواصل الدولي: ونعتبر هذا العنصر من الأهمية بمكان حيث أخذت الوزارة على نفسها نشر الثقافة المتعلقة بتنمية الوعي الحقوقي في منظوره العدلي لدى أفراد ومؤسسات المجتمع، ونفذت في هذا العديد من المناشط، كما عملت الوزارة على تعزيز المادة العلمية لدى أعضاء السلطة القضائية، فأصدرت مؤخراً مجلة "القضائية" المعنية بالبحوث والدراسات القضائية المُحَكَّمَة، مع إيجاد ورش عمل تحريرية على صفحات المجلة. وفي سياق هذا المِحْور المُهمّ عملنا على تنفيذ الدّورات التدريبية لقضاتنا وأعوان القضاة، وبقية موظفي مرفق العدالة، وحرصنا على الأخذ بمنهج التدريب المُوَجَّه، فنحن نؤمن بأن التدريب هو العنصر الحيوي في صقل الموهبة القضائية، والقضائية المساندة، والإدارية، ومتابعة كل جديد، ونحن على يقين بأن من يتراخى في هذا الجانب فسيبقى مكانه وسيتجاوزه الزمن، وسيُحَوِّل مؤسسته إلى متحف. كما عملنا على تبادل الزيارات والاستفادة من التجارب الدولية، والعمل على عقد اتفاقيات تعاون مع العديد من الدول، خاصة في مجال التعاون القضائيّ، وهدفنا جميعاً تحقيقُ العدالة وإسعاد البشرية، وليس لطموحنا في هذا حد، حتى تجاوزت تشريعاتنا بعض العقبات التي أعاقت تشريعات بعض الدول، حيث تميل بعض تلك العقبات التحفظية إلى مناصرة الوطني على غيره، وهذا لا نقبله وليس في قاموس عدالتنا، ومن أهم قيم العدالة الإثبات القضائي، وقد أخذنا فيه بمبدأ حرية الإثبات، كل هذا لإتاحة الفرصة لأي بارقة أمل يمكن الوصول من خلالها للعدالة دون أي تقييد، أو فلسلفة حقوقية قد تتلاشى في تعقيداتها قيم العدالة. بعد ذلك فتح المجال للأسئلة وحول سؤال عن تطبيق الشريعة الإسلامية في القضاء على غير المسلمين، قال الوزير إن التشريعات والمبادئ القضائية تعتمد في مادتها الموضوعية تحكيم الشريعة الإسلامية حسب القراءة الصحيحة للنص وفق تقدير المحكمة العليا أو الجهة التنظيمية بحسب الأحوال على ما أشرنا، وإذا كان الحال ما ذكر فإن المبدأ أو التشريع يمثل في حقيقته النظام القضائي للدولة فهو يكتسي هذا الوصف كما يكتسيه الوصف المقابل في أي دولة، أياً كانت فلسفتها التشريعية، فالقانون الروماني على سبيل المثال بعد اعتماده أو بعضه في المواد القضائية لا يصبح تطبيقه على غير معتنقيه إلزاماً لهم بقبول فكرته واعتناق مبادئه، بل يجري التعامل معه باعتباره نظام دولة أخذت بمبدئه وفق رؤيتها، فيجب أن يفهم من قبل الآخرين على أنه قانون دولة كما قلنا، ولا يستثنى من هذه القاعدة إلا حالات قليلة جداً تخص بعض صور الأحوال الشخصية تحديداً، التي يصح من خلالها أن يقول البعض فيها بتطبيق أحكام الدين على غير معتنقيه.