ستحفظ هذه البلاد للأمير المخلص والدؤوب الذي لا يكل ولا يمل سلطان بن سلمان الفضل الكبير في تغيير الانطباع السائد الذي يأخذ شكل استريو تايب وجاهزية الانطباع المسبق عن المواطن السعودي والخليجي والذي يعتمر العقال والغترة وتصوره الصحف والمجلات والقنوات الأجنبية بهبة النفط ومخزن الثروات والشهوات والذي يحتضن برميلاً من النفط وإلى جواره عدد من الحسناوات. لكن الأمير سلطان بن سلمان وهو الذي ما زال يحفر في صخر التغيير وثوابت الانطباع ماضٍ إلى تقويض عقيدة لا تتبدل ليحل محلها الإنسان السعودي المعاصر مصحوبا بقافلة غابرة وعريقة لإنجازات إنسان هذه الأرض منذ فجر التاريخ حين تولى إدارة قوافل التجارة العابرة والتي كانت تمر من شمال الأرض متجهة إلى جنوبها ومن غربها إلى شرقها تحمل في مخزوناتها الكساء والغذاء والبخور والعطور والبهارات وكل ما كان تتم مقايضته سلعة بسلعة أو سلعة بنقد، فيما أن الأمير سلطان وفريقه القدير يعرض ذلك أمام العالم واقعاً تجسده الحفريات والتماثيل والتحف الآثارية التي استخرجت من تحت الأرض لتكون شاهداً يتكلم ليعبر عن عراقته من خلال رأي العين للعين وبواسطة معرض قوافل التجارة العربية التي مرت عبر عصور التاريخ مخترقة جزيرة العرب وماضية إلى طريقها بضمانة جمركية وأمنية وتوفيراً لمحطات الإقامة والاسترخاء في ظل ضيافة تعبر عن البعد الاقتصادي في ذلك الحين لكل القوافل العابرة في مجاهل الصحراء ومخاوف المجهول مما يعني أن استمرار هذه التجارة إنما هو تأكيد على الدور الحضاري والتاريخي لإنسان هذه الأرض منذ الأزل وحتى الآن. كل ذلك مما سبق ذكره ومما سيأتي إيراده هو ما جعل الأمير سلطان بن سلمان يحمل تاريخ هذه البلاد ويجسده عبر معرض قوافل التجارة العربية ويجول به في جهات الأرض عبر أوروبا بداية ثم أمريكا لاحقاً ثم الشرق الأقصى حالياً. وفي الصين كان لي حظ حضور هذا المعرض في متحف بكين العظيم، وهو للإحاطة من أكبر وأضخم متاحف الدنيا بمساحته وموجوداته، وفي يوم الافتتاح كانت طوابير البشر تحتشد تباعا وهي تصطف لمشاهدة آثار المملكة وكان كل عابر في المتحف قادرا على ترصد حجم الدهشة التي ارتسمت على وجوه الصينيين وغيرهم من المسؤولين وممثلي السفارات الأجنبية والعربية وهم يرون التماثيل الصخرية الصامدة وبقية الموجودات والصور والرسومات التي زادت من حجم اتساع حدقات العين الصينية رغم ضيقها وهي ترى ما لم تكن تعرفه أو تتخيله من العمق التاريخي المغيب لجزيرة العرب يرزح تحت باطن الأرض خلال قرون، لقد فوجئت وأنا السعودي بحجم ثرواتنا التاريخية وعمقنا الحضاري الذي يمتد من العصور الإغريقية وموجوداتها في شمال الجزيرة ومرورا بحضارة الأنباط وحضارة ديلمون في شرق البلاد وغيرها من الآثار التي تحيط بالبلاد من جنوبها مرورا بوسطها. إن ما تبذله وتقدمه هيئة السياحة والتراث من جهد متواصل لجدير بأن يعوض سنوات من الإهمال لتعريف العالم بما لدينا خاصة مع ما شكلته ثروتنا البترولية من تعزيز الصورة السلبية عن بلادنا وأهلها مما كرس الصورة النمطية عن هذا المواطن الذي ظهر فجأة كنبتة الفطر بعد أن أمطرت أرضه ذهباً أسود بل إن هذا التصور لم يصدر فقط عن البعيدين عنا في أمريكا أو أوروبا والشرق الأقصى بل على العكس من ذلك فقد وصفنا أحد المثقفين العرب بسراق الإبل وهمش حضورنا التاريخي بكافة أبعاده الدينية والاقتصادية والاجتماعية فإن كان ذلك كذلك من التجهيل والجحود فإن استمرار عرض مثل هذه المعارض في الداخل والخارج هو الكفيل بإخراس المغرضين وتعليم الجاهلين وأن ما تقوم به هيئة السياحة حاليا لجدير بأن يساعد في تغيير الصورة المحبطة والسلبية عن المملكة وسيعوض في ظني قصور سفاراتنا في الخارج في التعريف ببلادنا ودورها التاريخي والإسلامي ووزنها العربي. كنت أخشى على الأمير سلطان بن سلمان أن يرهقه طول المسافة ووعثاء الطريق وكنت أخاف أن يتعب وأن يكلّ وهو يحفر وحيدًا في صخر المجهول، لكنني صرت متفائلا بعد أن صنع فريقا وكرس ثقافة وأنبت يقينا بأن مسيرة التغيير ماضية إلى تحقيق أهدافها سنة بعد الأخرى ومعرضاً بعد الآخر.