أعادت ميزانية الدولة التي تم اعتمادها أمس الأول (الخميس) تموضع الاقتصاد السعودي في مرحلة ما بعد النفط؛ إذ تعتبر هذه الميزانية هي الأولى التي تأتي وفقا للرؤية السعودية الإستراتيجية 2030، نصا وروحا؛ إذ ارتكزت الميزانية على مجموعة عوامل حيوية لرفع كفاءة أداء الاقتصاد وتنوعه والتوجه الحقيقي لعدم الاعتماد على النفط، باعتبار أن عام 2017 هو بداية انطلاقة الإستراتيجية الحقيقية لتنفيذ برنامج التحول الوطني ورؤية السعودية 2030. وتعكس الأرقام التي تضمنتها الميزانية تفاؤلا على عكس المؤشرات المخيفة التي رصدها الإعلام الغربي للميزانية؛ إذ يبلغ الإنفاق المقدر في العام القادم 890 مليار ريال، بزيادة بنسبة 6%، عن الإنفاق المحقق في عام 2016. ووصلت قيمة الإيرادات المتوقعة في 2017، إلى 692 مليار ريال، بارتفاع 31%، عن الإيرادات المحققة في 2016. وجاءت مضامين كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز التي ألقاها أمس الأول (الخميس) في مجلس الوزراء رسالة مباشرة أن الاقتصاد السعودي يملك القوة الكافية لمواجهة التحديات الاقتصادية والمالية الحالية، وهذا نتيجة للسياسات المالية الحصيفة التي اتخذتها الدولة. وتابع الملك سلمان قائلا «نحن عاقدو العزم على تعزيز مقومات اقتصادنا الوطني»، مشيرا إلى أن الدولة تبنت «رؤية المملكة 2030» وبرامجها التنفيذية وفق رؤية إصلاحية شاملة من شأنها الانتقال بالمملكة إلى آفاق أوسع وأشمل لتكون قادرة على مواجهة التحديات، وتعزيز موقعها في الاقتصاد العالمي. وهذا يعكس جليا أن بناء ميزانية الدولة جاء وفق متطلبات «رؤية السعودية 2030» التي أعدها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسة، الأمير محمد بن سلمان، والتي ستضمن حتما الوصول إلى التقسيمات الإستراتيجية الرئيسية التي وضعتها الرؤية السعودية؛ وهي اقتصاد مزدهر، ومجتمع حيوي، ووطن طموح. ولتحقيق الاقتصاد المزدهر المنشود تستهدف «رؤية السعودية» رفع نسبة الصادرات غير النفطية من 16% إلى 50% على الأقل من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي، وتقدم ترتيب المملكة في مؤشر أداء الخدمات اللوجيستية من المرتبة 49 إلى 25 عالميا، ورقم 1 إقليميا. كما تستهدف رفع نسبة الاستثمارات الأجنبية المباشرة من إجمالي الناتج المحلي من 3.8% إلى المعدل العالمي 5.7%، والانتقال من المركز 25 في مؤشر التنافسية العالمي إلى أحد المراكز ال10 الأولى. وفيما يتعلق بالاستثمار فإن المستهدف هو رفع قيمة أصول صندوق الاستثمارات العامة من 600 مليار إلى ما يزيد على 7 تريليونات ريال سعودي، كما تضمنت الرؤية رفع نسبة المحتوى المحلي في قطاع النفط والغاز من 40% إلى 75%. ومن المستهدف أيضا زيادة حجم الاقتصاد السعودي وانتقاله من المرتبة 19 إلى المراتب ال15 الأولى على مستوى العالم، فضلا عن فتح الشراكات الاستثمارية مع الشركات العالمية وهذا ما تم فعليا عندما قام الأمير محمد بن سلمان بالتوقيع على العشرات من مذكرات التفاهم مع الشركات العالمية بهدف تنويع مصادر الدخل وتبادل الخبرات وفق الرؤية 2030. ورغم وجود التحديات والمخاطر التي تواجه الاقتصاد العالمي والإقليمي، فضلا عن المخاطر الجيوسياسية الموجودة في المنطقة، إلا أن الأرقام التي ظهرت في الميزانية تعكس تفاؤلا في أداء الاقتصاد السعودي خلال العام الجديد، في ظل توقعات بتحسن أسعار النفط والمساعي الجدية لإصلاح هيكل الاقتصاد السعودي، وإعادة غربلة البنية التحتية والمضي في تنويع الموارد الاقتصادية وفق الرؤية 2030 ورفع مستوى الأداء الاقتصادي وزيادة دور القطاع الخاص من خلال خصخصة بعض القطاعات المهمة. إن السعودية التي تعيد تموضعها في الخريطة العالمية والإقليمية وباعتبارها عضوا في قمة العشرين تضع ملامح سياستها الداخلية والخارجية في جوانبها الاقتصادية والاستثمارية بشكل واضح وعلى أرضية اقتصادية صلبة وبشكل منظم يسهم في تحقيق الأمن والاستقرار الداخلي ورفع كفاءة المواطن السعودي وتحقيق رفاهيته وأن يكون للقطاع الخاص دور كبير في إعادة ضخ جزء من الأموال في الاستثمار في الخطط المستقبلية بشكل مؤثر، لكي تستطيع المضي في الإبحار بهدوء وأن تعيش السعودية حالة الاستقرار الأمني، بعيدا عن الأمواج المتلاطمة والأزمات التي تحيط بنا.