إذا سلمنا بنظرية الاقتصاد يوجه السياسة، ونظرية القوى الاقتصادية أقوى من القوى العسكرية، فإن المرحلة القادمة هي مرحلة سيادة الاقتصاد على السياسة والقوى العسكرية وأصبح الاقتصاد هو المحرك لهما. ويظهر لي حسب قراءتي لما يجري في الاقتصاد العالمي وعلى وجه الخصوص في التوجهات الجديدة للسياسة الاقتصادية في الولاياتالمتحدة حسب التعهدات الانتخابية للرئيس دونالد ترمب بتبني سياسات حمائية لحماية الشركات الأمريكية وإن كان ذلك مخالفاً لتعهدات ومبادئ منظمة التجارة الدولية والتي كان للولايات المتحدةالأمريكية أكبر دور في إنشائها ولكن التوجهات الجديدة للرئيس المنتخب تأتي مخالفة لتعهدات ومبادئ منظمة التجارة العالمية والتي تطالب بإلغاء الحمائية وتطالب أيضاً بفتح الأسواق لمنتجات الدول الأعضاء وترسيخ مبادئ حرية التجارة. ولو التزم الرئيس المنتخب الأمريكي بوعوده الانتخابية فإنني أخشى أن تكون بداية الحروب الاقتصادية مع الشركاء التجاريين للولايات المتحدة وعلى وجه الخصوص مع أحد أكبر اقتصاد في العالم وهو الصين، ومن المؤكد ستكون للصين ردة فعل قوية لحماية مصالحها الاقتصادية وعلى وجه الخصوص لدعم تجارتها الخارجية المعتمدة على الأسواق العالمية وعلى وجه الخصوص الأسواق الأمريكية وإن أي إجراءات حمائية سوف تؤثر على حركة نمو الاقتصاد الصيني والذي سيؤثر سلباً على جميع اقتصادات العالم بما فيها الدول المنتجة للبترول والبتروكيمكال والتي تأثرت سلباً في العام الماضي نتيجة تراجع بسيط في نمو الاقتصاد الصيني والأوروبي وعلى وجه الخصوص ألمانيا، وأخشى من انتقال معركة الحماية إلى أوروبا وبعض الدول الناشئة مما سيشعل حرباً شرسة في المنافسة بين السلع المصدرة في الأسواق العالمية وسوف ينعكس سلباً على العملات الأساسية وبالتالي ستشتعل حرب أخرى وهي حرب العملات مما ينتج عنها أزمة في النظام المصرفي في العالم. ولمواجهة الدولار كعملة رئيسية للتجارة الدولية أتوقع نشوء تكتل اقتصادات متضررة إلى خلق تحالف ضد الدولار بتعزيز التعامل مع سلة عملاتهم تستقطع جزءا من نصيب الدولار في التجارة الدولية وذلك تفادياً للخسائر المتوقعة من الاعتماد على العملة الأمريكية في تقييم سلع الصادرات. إن ما يقلقني ويدفعني إلى طرح هذا الموضوع اليوم هو مستقبل صادراتنا من البتروكيمكال إلى العالم لو لجأت بعض دول العالم الصناعية إلى سياسة الحمائية لمنتجاتها وضربت بعرض الحائط الاتفاقيات الدولية المبرمة في منظمة التجارة الدولية. مما سيؤدي إلى تراجع النمو الاقتصادي العالمي نتيجة انخفاض معدلات التبادل التجاري الدولي، وعندها يتوقع قيام حرب عملات دولية شرسة قد تطيح ببعض العملات الرئيسية وعندها سوف تتأثر حركة رؤوس الأموال الدولية وستتأثر التنمية في بعض الدول وضياع العديد من الفرص الاستثمارية وستتغير إستراتيجية الاستثمار الدولي من استثمار طويل المدى يعتمد على الاستقرار الاقتصادي والسياسي إلى استثمار قصير الأجل يعتمد على الصفقات السريعة دخولا وخروجا، وهي سياسة تؤثر على ثبات واستقرار الاقتصاد في الدول المستثمر فيها. هذا إذا ما ساهمت في سقوط الأسواق المالية في بعض الدول الناشئة. وهنا يبرز السؤال هل فكرة التجارة الحرة وتحرير التجارة من قيود الرسوم الجمركية وإنشاء منظمة التجارة العالمية هي سياسة رسختها الدول الصناعية الكبرى لتسويق منتجاتها وتشجيع استثماراتها خارج أوطانها بدون قيود وضوابط ؟ أم أن الهدف كان سامياً لأن تستفيد جميع الدول الفقيرة والنامية من الأسواق العالمية الكبرى بتسويق منتجاتها بدون جمارك وبدون قيود وذلك لدعم اقتصادها؟. والسؤال الثاني هو هل عندما انتعشت الصادرات والاستثمارات الخارجية للدول المنافسة للولايات المتحدة مثل الصين والهند واليابان ودول الخليج والدول المنتجة للبترول ومشتقاته بدأت أمريكا تخشى غزو أسواقها فلجأت إلى فكرة السياسات الحمائية لحماية صناعاتها وشركاتها الاستثمارية بصرف النظر عن تعاهداتها في اتفاقية التجارة الدولية؟. والحقيقة هي أن الاقتصاد الأقوى في العالم هو المسيطر وهو المطوع لجميع الاتفاقات لمصلحته أولاً أو تجميد الاتفاقات الدولية بحجة المصلحة الخاصة. وهذا يدفعني إلى المطالبة بالتخطيط لإنشاء تكتل اقتصادي آسيوي أو الدخول في أحد التكتلات الآسيوية القوية لحماية مستقبل صادراتنا واستثماراتنا مستقبلاً.