في الممر بين الباب وغرفة الجلوس صورة معلقة ببرواز بلاستيكي ذهبي اللون لرجل يعتمر عمامة بيضاء.. رغم أن الصورة أبيض وأسود إلا أن هيئة الرجل فيها تنبئ عن شح الحياة والفقر الذي بدا في العمامة وأزرار القميص المتساقطة.. تتذكر أنها شاهدت مثلها.. نفس هيئة الرجل الشاخصة.. بل نفس تفاصيل الصورة.. حاولت التذكر: أهي في أحد كتب التاريخ أثناء دراستها، أو إحدى المجلات التي قرأتها.. سرعان ما طردت فكرة التذكر.. دخلت.. ألقت بجسدها على الكرسي في أقصى حجرة الجلوس، وأسندت يديها إلى الطاولة المغطاة بقماش مطبوع عليه نجمة وعليها الحاسب الآلي وكتب سالم التي يقرأها كل ليلة بعد عودته من محل الخضار.. تبدو منهكة متعكرة المزاج بعد التجمع الذي تمقته لما يدور فيه من أحاديث لا تروق لها والتي تتطور من حالات الزوجات مع أزواجهن ومشاكلهن، وتناقل أخبار الحي حتى يبلغ التطور التدخل في الشأن السياسي والتحليلات الجوفاء.. حاولت مرارا عدم الذهاب، ولكن إصرار عمتها يجعلها تخجل من أن ترفض هذه المرة.. حاولت العودة باكرا وترك عمتها تكمل عشيتها مع نساء الحي.. أخذت أحد كتب سالم.. أسندت كعب الكتاب إلى الطاولة.. أخذت تلعب بأوراقه بإبهامها وهي تردد: مجنون سالم ما (يشتي) بهذي الكتب؟! بس ضياع الفلوس.. اتجهت إلى المطبخ.. تحاول أن تفاجئ عمتها بإعداد العشاء.. حاولت تناول قدر نحاس من الرف الأعلى.. لم تستطع.. أحضرت كرسيا وصعدت عليه.. وجدت تحت القدر ظرفا عريضا محشوا بالأوراق.. فضولها لم يعتقها لتعيده.. تركت القدر.. نزلت.. جلست في أرضية المطبخ.. أمسكت آخر الظرف وأفرغت ما فيه.. بدت لها نفس صورة الرجل التي في الصالة وصورة فتاة صغيرة.. أوراق مختومة وبها بصمات وتواقيع.. قرأت: في يوم الأربعاء 10/مارس /2015 وأثناء قصف استهدف أحد الأحياء الشعبية، وجدت غنيمة تتنفس تحت الأنقاض، توفي والدها اليهودي جراء القصف.. الكل رفضها، وأنا وأمي قبلنا بها ابنة لنا وعلى ذلك وقع شيخ القبيلة وأتعهد برعايتها.. التوقيع: سالم حمود عبدالحميد.. فتحت الأوراق الأخرى وجدت أوراقا كثيرة تؤكد لها ما وجدت في الورقة الأولى وورقة فحص طبي يثبت فقدها الذاكرة.. تسقط دمعة حارة: سالم ليس ابن عمي أنا لست مسلمة أنا يهودية!!!