كانت كل مؤشرات سباق الرئاسة الانتخابي في أمريكا تشير إلى فوز قاطعٍ ومحسوم لصالح هيلاري كلينتون، كيف لا وهي السيدة الأولى لدورتين متتابعتين مع زوجها الرئيس بيل، وقد خبرت بصحبته كواليس الانتخابات وكانت أحد أبرز أعضاء حملته ثم أيضا كانت مسؤولة معروفة في دهاليز السياسة الخارجية مع أوباما الذي تولى المنصب لولايتين، كما أن التهور الذي كان عليه منافسها الطارئ جدا على دهاليز السياسة قد ضمن لها انحيازاً سياسياً حتى من الجمهوريين في الحزب المنافس، بل ضمن لها تعاطفاً من جميع الأطياف ومن معظم حكام العالم الذين كانوا لا يريدون التورط مع رجل جديد على الساحة ولا يحمل في سيرته الذاتية أي رصيد من الخبرات التي تخوله لقيادة دولة قيادية بحجم الولاياتالمتحدةالأمريكية، التي ترتبط بشبكة معقدة من المصالح المشتركة مع عديد الدول، هذا إلى جانب أن رجل الأعمال السيد ترامب يمارس على الهواء مباشرة بعض السلوكيات الخارجة عن السمت الرئاسي والبرستيج الفاخر لقامة رئيس الدولة، ناهيك عن كون أمريكا هي دولة دول العالم وكبيرتهم ولهذا كله ولمثله ولأكثر منه فقد توقع كل المحللين السياسيين وكل البصارين وضاربي الودع وقارئي الفناجين وأصحاب المراهنات أن يحسم التنافس الرئاسي لصالح السيدة الخبيرة والمعروفة هيلاري كلينتون، كل ذلك كان سائداً حتى قبل يومين من خط النهاية، لكن الولايات المتأرجحة، التي لأصوات ناخبيها وزنها (فلوريدا وأوهايو) قد حسمت الكفة على غير المتوقع لصالح ترامب الذي صرخ في مؤيديه عند مشارف النهاية أرجوكم (لا تخذلوني)، وقد كان لدعوته صداها فانتخى بعض مؤيديه المسترخين وساروا حثيثاً إلى صناديق الاقتراع لينهوا جولة الصراع الأخيرة انتصاراً وبالضربة القاضية لترامب. لقد كان تنافس هيلاري وترامب شبيهاً إلى حد كبير بقصة السباق الكارتوني بين السلحفاة والأرنب، الذي كنا نتمتع بإعادة مشاهدته ونحن في سن الطفولة وكنا ونحن صغاراً نتحمس وننحاز إلى السلحفاة عندما يبدأ السباق ثم تنطلق الأرنب كالسهم في الحلبة بينما تمشي السلحفاة كعادتها وئيداً وببطء معهود، لكن الأرنب وبسبب فارق الإمكانيات بينهما فإنها ترتاح في بعض مراحل السباق وتستلقي مسندة رأسها على شجرة في الطريق ولا تخشى من أن تتجاوزها السلحفاة لإدراكها أن سرعتها ستمكنها من اللحاق والتجاوز، وهكذا كان في بعض المراحل، لكن الأرنب لسوء حظها استرخت في إحدى المرات وراحت في نومة طويلة تمكنت فيها السلحفاة من الوصول لخط النهاية فيما كانت الأرنب نائمة في العسل. هكذا شعرت أن الأرنبة هيلاري قد استرخت كثيراً بسبب الإحساس المتدفق من الجميع في الداخل والخارج بحتمية فوزها بمقعد الرئاسة، ولهذا فقد تسبب يقين الثقة الفائض عندها وعند مناصريها في فوز السلحفاة، فكانت المفاجأة الصادمة وغير المتوقعة لدى غالبية المتابعين في العالم إلى الحد الذي يمكن معه أن نقول إن التنافس في الانتخابات الأمريكية الأخيرة يشبه مباراة كروية بين فريقين، أحدهما فريق ريفي من الدرجة الأولى والآخر فريق قوي من فرق الممتاز، وتكون النتيجة لصالح الفريق الريفي رغم كل الترشيحات والتوقعات والمراهنات ورغم هدير مشجعي الفريق الممتاز. لكن الحقيقة هي أن الحياة تجارب وأن التجارب مدرسة.