قد لا يرى البعض وجود أي فروقات بين فكرة التحسين ومعالجة الأخطاء، ورغم أن الارتباط وثيق بين الفكرتين إلا أن الخلط الكامل بينهما لا يضع المعادلة في نصابها الحقيقي، ولو رجعنا إلى مفهوم التحسين بشكل أوسع، نجد أنه مجموعة من الأساليب العملية المندرجة ضمن الأطر المتعددة للجودة، التي تهدف وبشكل أساسي للارتقاء بالمستوى الحالي من جيد إلى أفضل. وباعتبار عمليات التحسين مفاضلة في الجودة، فهي تأتي تباعاً لعملية معالجة الأخطاء ذات الأولوية العالية، أو تماشياً معها بتعبير أدق، حتى لو اندرجت الأخيرة ضمن أساليب التحسين حسب ما يراه البعض، أو حسب ما نصت عليه بعض الاشتراطات والمعايير، فالمسألة هنا مسألة أولوية قبل أن تكون من يندرج تحت من؟ بمعنى أبسط «التحسين بمعالجة الأخطاء». كثير من المؤسسات والشركات وغيرها تسعى للارتقاء بتعاملاتها من خلال خطط ودراسات تحسينية لإيجاد سبل ومنهجيات تحقق غاياتها، ولكن السؤال هل تمت معالجة الأخطاء، لن أقول بشكل كامل وإنما بقدر الإمكان؟ أو أنه حدث نوع من الاستسلام إلى فكرة غير مكتملة الأركان، وبالتالي سنواجه سؤالا آخر، وهو هل ستجدي عمليات التحسين هذه نفعاً؟ إن العمل على أرضية غير مهيأة تماماً وخالية من الشوائب يعرض للكثير من المشكلات المتراكمة جراء عدم معالجتها وقتياً، ويتيح الفرص أمام الفشل ليتسلل إلى الكثير من الخطط التحسينية التي تكون أولى خطواتها الاصطدام بتلك المشكلات، وإهدار وقت أكبر بحثاً عن الحلول فضلاً عن أن تبدأ بالتحسين للأفضل. وعلى المستوى الفردي، في التعامل مع الآخرين على سبيل المثال، فإن أي محاولة لتحسين التعاملات لن تكون لها أي جدوى ما دامت سيرة الشخص الذاتية سيئة أو مليئة بالأخطاء المستمرة، فالواجب هنا البحث عن مواطن الخلل ومعالجتها وسد الثغرات وأخذ الأخطاء السابقة بعين الاعتبار قبل أي خطوة تجنباً للوقوع بها مرةً أخرى، وبذلك تتاح الفرصة للتحسين بناءً على وجود التربة الخصبة لذلك. إذن نعود لنكرر التحسين بمعالجة الأخطاء أولاً، وما عدا ذلك سيكون ك«عشم أفلاطون في المدينة الفاضلة».