ليس مصادفة تاريخية ولا مفارقة جغرافية أن يتم الهجوم على العرب السنة، من قبل الغرب وشرقه، والفرس، على طول جبهة الموصل حلب التي تمتد لما يقرب من 700 كم. إن هذه الجبهة تمثل التخوم الشمالية للعرب الذين استقروا بها لأكثر من 1400 سنة، تفصلهم عن أرض الفرس شرق دجلة بعمق منطقة شرق المتوسط من إدلب والموصل شمالاً، حتى غزة والبصرة جنوباً. بل إن العرب استقروا في هذه المنطقة، قبل الفتح الإسلامي لها، إلا أنه منذ عهد الخلافة الراشدة للشيخين أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، ظلت السيادة المطلقة للعرب في هذه المنطقة متصلة، ولم تنقطع. إن كانت الفتوحات حينها تهدف لنشرة رسالة التوحيد، التي جاء بها خاتم المرسلين عليه الصلاة والسلام، إلا أنها كانت تهدف لاستعادة أرضٍ عربية وتحريرها من مستعمريها الفرس والروم، كما جاء في إحدى خطب الخليفة الراشد الأول أبي بكر الصديق وهو يودع جحافل المجاهدين العرب لفتح أرض السواد (العراق). استكمل عمر بن الخطاب هذا الفتح، حتى سفوح الأناضول الجنوبية، حيث كان البيزنطيون.. وبلاد ما وراء النهر، إلى التخوم الغربية لصحراء جوبي، حيث كان الفرس. لقد تم تقويض إمبراطورية الفرس، منتصف العقد الثاني من الهجرة. إلا أن طرد البيزنطيين بعيداً عن قارة آسيا، وحتى شرق ووسط أوروبا وتقويض الكنيسة الأرثوذكسية أخد من المسلمين ما يقرب الألفية، ليفتح السلطان العثماني الغازي محمد الفاتح (1429 - 1481) القسطنطينية في: 29 مايو 1453. إلا أنه وإن تقلص النفوذ العربي السني، في بلاد فارس، منذ الدولة الصفوية (1501 - 1736)، ظل العرب السنة يفرضون سيادتهم على منطقة الهلال الخصيب بصورة متصلة حتى سبعينيات القرن الماضي، كما هو الحال في سوريا.. وبداية الألفية الحالية في العراق. ليست فقط السيادة كانت للعرب السنة في هذه البلاد، بل أيضاً، يشكل العرب السنة الأغلبية الكاسحة من السكان، بالذات في سوريا ووسط العراق وشماله، حتى الموصل. غير ما يُشاع من أن الفرس، اعتنقوا الإسلام ورفضوا العربية، نجد أن الفرس -في حقيقة الأمر- تولد لديهم حقد على الإسلام والعروبة معاً، بدايةً من اغتيال الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه. كما أن الفرس هم وراء فتنة الخلافة بين الإمام علي كرم الله وجهه ومعاوية بعد مقتل الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه (35ه)... بالإضافة إلى أن الخوراج، هم من كان وراء استشهاد الإمام علي بن أبي طالب (40ه)، وابنه الحسين بن علي (61ه)، رضي الله عنهما. لقد اختار الفرس ضرب الإسلام والعرب معاً، بالكيد للإسلام والتربص بالعرب، وكان هذا أس تشيعهم. الفرس، إذن: في حقيقة الأمر، كانوا لا يفرقون بين العرب والإسلام، فكيدهم للإسلام، يسبق أخذهم بثأرهم من العرب. الفرس، لم يقد إسلامهم إلى تخلصهم من شيفونية قوميتهم وعنصرية ثقافتهم. لقد أبقوا نار المجوس متقدة، لليوم، كرمز لقوميتهم ودليل على نبذهم للإسلام، وتمسكهم بدينهم وأعيادهم المجوسية المتوارثة. وإن نجح الفرس، سياسياً وجغرافياً، في استرداد الجزء الأكبر من إقليمهم، إلا أنهم يتوقون لاستعادة إيوان كسرى على نهر دجلة، بل واستعادة العراق، بأكمله من العرب. الإيرانيون لا يخفون أطماعهم التوسعية في العراق، لدرجة الزعم بأن عاصمتهم الحقيقية هي بغداد، وليست طهران! فرس قُم اليوم، لا تتوقف أطماعهم التوسعية في أرض السواد (العراق) قبل الإسلام، بل في استرجاع مملكة الهكسوس القديمة، لتجاوز أحلامهم التوسعية العراق والهلال الخصيب، حتى شمال أفريقيا العربي. وجنوباً، يتوقون لاستعادة سيطرتهم على اليمن ومنطقة القرن الأفريقي، بعمق هضبة الحبشة. اليوم، وعلى جبهة حلب الموصل تتلاقى مصالح الغرب، بشرقه (روسيا) بمخططات إيران التوسعية. الروس لن ينسوا أن أحفاد محمد الفاتح من المجاهدين العرب، هم الذين قاتلوا لتسعمائة سنة لتحقيق نبوءة الرسول عليه الصلاة والسلام بفتح القسطنطينية. كان خلفاء بني أمية، الذين استشهد أحدهم سليمان بن عبدالملك (674 - 717) بمرج دابق وهو في طريقه للانضمام لجيش أخيه مسلمة بن عبدالملك المتجه لفتح القسطنطينية. كان خلفاء بني العباس يفعلون مثل هذا الشيء، بالرغم من عدم الاستقرار الطويل الذي كان يتميز به عهدهم داخلياً. حتى جاء الخليفة العثماني محمد الفاتح وتحققت نبوءة سيد الخلق على يديه، وفتحت القسطنطينية. نفس المرارة التي ذاقتها الكنيسة الشرقية من العرب والمسلمين، بسقوط القسطنطينية وانهيار الإمبراطورية البيزنطية، تجرعتها الكنيسة الغربية، في روما. لا ينسى الغرب بتراثه الروماني والمسيحي، أن العرب المسلمين الأوائل، هم من أسقط سيادتهم عن القدس، بداية الفتح الإسلامي.. وهم من استعاد القدس منهم، مرة ثانية، في معركة حطين في 3 - 4 يوليو 1187 بقيادة الناصر صلاح الدين الأيوبي (1138- 1193). كما أن العرب، في العصر الحديث، لن ينسى الغرب أنهم كانوا رأس الحربة لإخراجهم من مستعمراتهم في المنطقة وشمال وشرق وغرب أفريقيا. العرب الذين لم يكن لهم شأن كبير قبل الإسلام، فتحوا ممالك وهزموا إمبراطوريات وبنوا حضارة، كانت على حساب الرصيد الثقافي والحضاري والمجد الإمبراطوري للفرس والفرنجة، معاً. لقد حافظ العرب على سؤددهم هذا، ونالوا حقد الشرق والغرب معاً، لأن الإسلام تجسد فيهم تمسكاً بعقيدة أهل السنة والجماعة.. وظل العرب مخلصين لنقاء عقيدتهم، ولم يعتنقوا الإسلام كيداً، أو طمعاً في استعادة أمجاد، كان الإسلام والعرب وراء كشف زيفها وضلالها، كما هو حال الفرس، هذه الأيام. لا عجب، أن تكون حلب والموصل هذه الأيام ساحة الوغى التي تتحدد بنتيجتها وجهة مسيرة التاريخ. لن تسقط العروبة والإسلام إلا بهزيمة حاسمة للعرب السنة، في هذه المنطقة. ميزان القوى، فيه خلل واضح، لكن كثيراً من ملاحم التاريخ الحاسمة، شكلت خيبة أمل سحيقة لطغيان وجبروت القوة، لينتصر الخير بمضاء قوة الحق، لتمضي مسيرة التاريخ في وجهتها الخيرة من أجل السلام والحريّة وانتصار إرادة الله.