في افتتاح المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار الذي تم يوم الأربعاء الماضي دعا فيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى حوار عاقل وعادل وتعزيز القيم المشتركة مع الآخر ونبذ الانغلاق والجهل ليستوعب العالم مفاهيم وآفاق رسالة الإسلام. هذا المؤتمر بمضامينه وتبني المملكة له أعادني إلى الإرهاصات الأولى لانتشار الإسلام وسماحته عندما انطلق من شبه الجزيرة العربية في أوائل القرن السابع لمولد المسيح عليه السلام حيث جاء نبينا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم لينشر دعوة السلام وهو على تخوم امبراطورتين الامبراطورية الفارسية شرقاً، وإمبراطورية الرومان غرباً، وتفصل رمال الدهناء والنفود الكبير وذيل جبال الحجاز الشمالية الغربية ما بين تلكما الامبراطورتين ومهبط وحي الرسالة. وكان يرابط على شواطئ الجزيرة الشرقية فارس، وشواطئها الغربيةروما بثقليهما السياسي والحضاري. تذكرت كيف امتد الإسلام من جبال مكة العظيمة واجتاز جبال الحجاز وانساح شرقاً وشمالاً الى هضاب نجد ومغارات العلا ومدين وأرض سماوة العراق وبادية الشام وصحراء سيناء الى حضارات انهار العرب في دجلة والفرات والعاصي وبردى والهلال الخصيب والنيل في مصر والسودان.. كيف تحرك الخلفاء الراشدون بعد رحيل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم باتجاه تلكما الحضارتين: فارس وروما، وكيف تحرك أبوبكر الصديق رضي الله عنه ليغطي معظم جزيرة العرب ثم عمر بن الخطاب رضي الله عنه قاصداً بيت المقدس في فلسطين، وسوريا عام (14)ه والعراق ومصر. ثم بلاد الجبال أرض الساسانيين حيث خراسان ليغطي جميع بلاد إيران عام (20)ه ثم عثمان وعلي رضي الله عنهما لتنهار أقوى امبراطوريتين فارس وروما في خلافة الراشدين ليأتي زمن آخر زمن بني أميه والعباسيين لتنفرط أمامهما معظم ما يعرف جغرافياً بروما الشرق، وبلاد ما بين النهرين وبلاد ما وراء النهرين بلاد الترك والعجم، وبلاد السند والقارة السمراء أفريقيا، وتستكمل دولتا السلاجقة والعثمانيين جهود من كان قبلهما بالاتجاه نحو أجزاء من أوروبا ليصبح العالم - في مرحلة تاريخية - في قبضة العالم الإسلامي: الدولة المغولية والغزنوية شرقاً والسلاجقة والعثمانيون في أواسط آسيا الصغرى وغرب آسيا والصفويون في بلاد الجبال ووسط آسيا. وما زال العالم يتذكر كيف استطاع محمد الفاتح السلطان العثماني أن يفتح آخر بوابات الامبراطورية الرومانية في الشرق التي حكمت العالم القديم وجعل القسطنطينية ممراً حضارياً إلى أوروبا. الإسلام كان جسراً يربط حضارات العالم القديم، مزج بين الحضارات المتقاتلة والمتضادة في فارس وروما والممالك الأفريقية وبلاد الشرق البعيد في نهري جيحون وسيحون وما وراءهما من شعوب وأمم كانت في زمن من الأزمان قصية وبعيدة.. والآن تأتي جميع هذه الأجناس والشعوب الى مكةالمكرمة إلى المؤتمر الإسلامي العالمي لتقول بصوت مسموع ديننا دين سلام وعدل وشراكة مع الآخر وهذا هو الإسلام الحقيقي لكن الحملة الإعلامية من أعدائه تجعلنا دائماً في موقف المدافع والحلقة الأضعف.