افتتح دولة رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية سعد الحريري مُمثلا برئيس الحكومة اللبنانية السابق والنائب الحالي فؤاد السنيورة في العاصمة اللبنانية بيروت اليوم الدورة التاسعة عشرة لمنتدى الاقتصاد العربي الذي تنظمه مجموعة الاقتصاد والأعمال بالاشتراك مع مصرف لبنان المركزي وجمعية المصارف في لبنان ومؤسسة التمويل الدولية وشارك في حفل افتتاح المنتدى الذي يستمر ليومين ويختتمه الرئيس المكلف تشكيل الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي بحوار العديد من وزراء المال والاقتصاد والتجارة وسفراء عرب أجانب من بينهم سفير خادجم الحرمين الشريفين لدى لبنان علي بن سعيد عواض عسيري ومحافظو المصارف المركزية و600 مشارك من قيادات ورجال الأعمال من حوالى 20 دولة عربية وأجنبية. و تحدث ممثل راعي الحفل الرئيس فؤاد السنيورة فقال / لقد حفلت الشهور الخمسةُ الماضية بأحداثٍ عاصفةٍ في سائر أنحاء العالم العربي. وكان الأبرز في تلك الأحداث خروج الملايين من المواطنين في أكثر من بلد عربي إلى الشارع مُطالبين بالتغيير السلمي تحدوهُم أربعُ قيم: الكرامة والحرية والديمقراطية والعدالة/. وأكد الرئيس السنيورة أنه / مما لا شك فيه أن نجاح هذه الانتفاضات العربية يسهم في وضع عملية الإصلاح الاقتصادي على الطريق الحقيقي والصحيح. فصحيح أنه قد بذلت جهود كثيرة على مدى العقدين الماضيين في العالم العربي لضمان استقرار الاقتصاد الكلي في أكثر من بلد عربي وحيث جرى التقدم على مسارات السيطرة على مؤشرات وعوامل أساسية كالعجز المالي والعجز في الحساب الجاري ومعدلات التضخم. كما إنه تم تحقيق معدلات معقولة من النمو الاقتصادي الحقيقي. لكن معدلات النمو المعقولة التي حُقِقت لم تأتِ بالفائدة الكاملة على الجميع حيث لم تحظ شرائح من المواطنين في جميع المناطق وبشكل كاف بما كان نأمل تحقيقه من ذلك النمو أي المزيد من المشاركة في العملية الاقتصادية/. وتابع / لقد علمتنا التجارب الاقتصادية في كثير من البلدان أن تحقيق معدل مرتفع للنمو أمر ضروري لكنه ليس كافيا بحد ذاته. فعدد المستفيدين من هذا النمو وكيفية توزعه على الفئات والقطاعات كافة هو أمرٌ أساسي كذلك. إن هذا يعني بالتالي أن النمو العادل الذي يشعر كل طرف أنه مستفيد منه هو وحده الذي يؤمن النمو المستدام على المدى الطويل. . كما إن الأمن الحقيقي بكافة أشكاله في منطقتنا العربية لا يقتصر على أمن دولة واحدة أو منطقة واحدة بل هو في الحقيقة أمن عربي نشارك جميعا في صنعه ونتحمل مسؤوليته ونعمل على صيانته. ولذلك فإن من واجبنا ولاسيما الدول العربية القادرة أن نتحمل مسؤولياتنا التاريخية تجاه هذا الشباب العربي الذي يحاول وللمرة الأولى منذ عقود أن يرسم بنفسه صورة غده بشكل واع وناضج ومتلائم مع حركة العصر وبما يؤهله للمشاركة في رسم مسار مستقبل هذه الأمة/. وختم قائلا / هناك مسؤولية كبرى من الواجب تحملها على الصعيدين الاقتصادي والمالي لناحية الإسهام في تمويل العجوزات المتوقعة في الحساب الجاري وفي الموازنة لدى تلك الدول التي تخوض غمار التجارب الديمقراطية الجديدة ولاسيما في ما يتعلق بمعالجة والتصدي للانخفاض الحاصل والمتوقع في نسب النمو الاقتصادي الحقيقي والتدهور في مستويات السياحة والاستثمار الأجنبي/. ثم تحدث وزير الدولة في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية ورئيس اتحاد الغرف العربية عدنان القصار فقال / إن الدورة الحالية لمنتدى الاقتصاد العربي تلتئم في مرحلة تعتبر من أكثر المراحل التاريخية أهمية وحساسية في عالمنا العربي فمنذ نهاية العام الماضي والتحولات الكبرى تصيب هذا الوطن العربي من مغربه إلى مشرقه وإن ما يحصل اليوم من متغيرات تاريخية يؤذن بدخولنا حقبة تاريخية جديدة لا نعرف حتى الآن ملامحها النهائية ولكن ما نعرفه هو أن التوق إلى الحرية والديمقراطية ورفض الفساد سمات مشتركة يتوحد حولها المواطنون العرب دونما تمييز بين بلد وآخر/. وأضاف الوزير القصار بالقول / إننا كهيئات اقتصادية وكقادة اقتصاديين في القطاعين العام والخاص ندرك أهمية ما يحصل اليوم من تحولات. وندرك أن الوطن العربي لن يعود كما كان قبل سنة 2011م. ولذلك فإننا وكمعنيين مباشرين ننظر إلى ما يحصل بكل هدوء ونتفحص مجريات الأمور محاولين استخلاص ما أمكن من العبر والدروس فما سيكونه عالمنا العربي بعد هذه الموجة التاريخية سيؤثر تأثيرا مباشرا على اقتصاداتنا وعلى مصالح شعوبنا وعلى صورة العمل في الوطن العربي في مجمل الحقول الاقتصادية من المصارف إلى الصناعة إلى الخدمات في كل وجوهها. فالمسألة لم تعد تقاس بمعايير تقنية فحسب بل إن معيار الإنسان العربي الذي قرر أخيرا أن يأخذ مستقبله بيده هو الذي سيكون مطروحا أمامنا وهو المعيار الذي سنركز عليه في المرحلة المقبلة بعد أن يستقر المشهد العربي عند نقطة معينة/. كما ألقى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة كلمة شدد فيها على أن عدم تأثر لبنان بالأزمة المالية والاقتصادية العالمية ليس من باب الصدفة بل مرده للنموذج الذي استحدثناه وطورناه منذ سنة 1993م فضلا عن السياسات والإستراتيجيات التي وضعناها ودافعنا عنها. في بادئ الأمر اعتبرنا أن المحافظة على الثقة تفترض ثبات سعر صرف الليرة مقابل الدولار علما أن هذا القرار وإن كان مكلفا أحيانا سمح بصون الاستقرار وتعزيز الثقة بالقطاع المالي وتأمين المناخ المؤاتي للاستثمار والاستهلاك. وأعاد الليرة كعملة تسليف مما ساهم بنمو التسليف والاقتصاد. إننا باقون على هذا الهدف ونعمل دائما لتكون لنا الإمكانيات في تحقيق ذلك. وقال / من ركائز النموذج الذي اعتمدناه البقاء منخرطين في تمويل القطاع العام. وقد اشترينا سندات خزينة بالليرة والدولار ووسعنا ميزانية المصرف المركزي عبر إصدار شهادات إيداع بالليرة والدولار على المديين القصير والمتوسط وذلك بهدف الإبقاء على انضباط السيولة في أسواقنا وتأمين جهوزية هذه السيولة بأية عملة كانت. كما إن إدارة السيولة تهدف إلى المحافظة على الاستقرار بمستوى الفوائد الممول بها حاليا لاسيما وأننا نعتبر أن إحجام المصارف عن الاكتتاب بالسندات بالليرة اللبنانية ظرفي ولن يتبدل برفع الفائدة. إن هذه المقاربة لتمويل الدولة تخفض المخاطر وتطمئن الأسواق بأن لبنان لن يتخلف عن تسديد ديونه كما تعزز الثقة الذي ينعم بها والتي أدت إلى تقييم تكلفة التأمين ضد المخاطر المتصلة باستحقاقات ال 5 سنوات ب 350 نقطة أساس. وبالرغم من درجة تصنيف B تقيم الأسواق مخاطرنا بدرجة BB+ بل حتى BBB/. وختم قائلا / أما الركيزة الثالثة في نموذجنا فتكمن في ضرورة المحافظة على قطاع مصرفي متين وسليم. ولن تنحصر رقابتنا وسلطتنا التنظيمية بالمصارف فقط بل ستتوسع أكثر من الماضي لتشمل المؤسسات المالية ومؤسسات الوساطة والصرافة وصناديق الائتمان. بدوره ألقى رئيس مجلس إدارة جمعية مصارف لبنان ورئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب الدكتور جوزف طربيه كلمة قال فيها / في خضم تطورات وتحولات مذهلة وغير مسبوقة في تاريخ منطقتنا إن من حيث طبيعة ما يحصل وسرعته أو من حيث شموليته ونتائجه فإن المشهد السياسي العربي الذي يتكون تباعا مع كل حدث هو مشهد مختلف بكل معنى الكلمة. وقد يصعب تحديد الصورة المكتملة للمشهد الآن لكن الملامح الظاهرة تؤكد أننا بصدد عصر عربي مختلف ومناخات إقليمية ودولية جديدة/. وأضاف طربية يقول / ففي صلب هذه الملامح نحن نشهد تغييرات جذرية في أنظمة الحكم أو في السياسات والركائز الأساسية لإدارة شؤون البلاد يصاحبها تبدلات إستراتيجية في هويات وأدوار مراكز الثقل الإقليمي من منظومة دول مجلس التعاون الخليجي إلى تركيا إلى إيران إلى الشمال الأفريقي ويجاريهما معا تدخل أممي ودولي لا يقل شأنا في أهميته وفي دوره المؤثر في صياغة واقع جيوسياسي يختلف تماما عن الصورة النمطية التي اعتدناها طوال عقود/. وتابع / قد يبدو الحديث عن الاقتصاد وشجونه في ظل هذه المعمعة خارج القضايا الساخنة التي تثير الاهتمام العام مقارنة بيوميات الأحداث المتسارعة في أغلب بلدان المنطقة. لكن النظر في عمق هذه التحولات أسبابا وحيثيات يفضي إلى استنتاج منطقي بأن الشأن الاقتصادي يقع في صلبها وسيكون حتما في صدارة نتائجها بعد بلوغ مرحلة الاستقرار. وحقيقة فأن التطورات المتواصلة أحدثت تغييرا جوهريا في المعطى السياسي السائد وبدأت ملامح هذا التغيير بالارتسام وأهمها التبدل الحاصل في صورة الحياة العامة داخل بعض الأنظمة السياسية القائمة وارتفاع وتيرة المطالبة بالإصلاح السياسي والاقتصادي يقابلها الوعود بالمزيد من الانفتاح والحرية على الصعد السياسية والثقافية والإعلامية والاقتصادية/. وأكد أن الإصلاح هو الركيزة الأهم لبناء الثقة كممر إلزامي مثالي لبلوغ الاستقرار الحقيقي وتعميم فوائده وهذا ما نطمح إليه جميعا دولا وشعوبا وأنظمة. والإصلاح بمفهومه الشامل على الصعيد الوطني هو المسار الأمثل لإعادة صياغة خريطة طريق طموحة الرؤى والأهداف لمنظومة العمل العربي المشترك ترمي إلى تعزيز التكامل الاقتصادي وتفعيل التجارة العربية البينية وتسهيل انسياب رؤوس الأموال والسلع والخدمات داخل منظومة الدول العربية على نحو يضمن التنمية المستدامة لاقتصادات هذه الدول ورفاهية شعوبها. وختم معتبرا أن تثبيت الاستقرار سياسيا وأمنيا وإعادة انتظام عمل مؤسسات الدولة بكل سلطاتها هي مهمة واجبة وملحة لكل القيادات والفعاليات المحلية فنمو الناتج الوطني على أهميته لا يمثل مؤشرا كافيا للتنمية الشاملة بل يلزم أن يترافق مع تعزيز الثقة الداخلية والخارجية وإدخال تحسينات مطردة في حياة الناس والتقديمات الصحية والاجتماعية ورفع مستويات التعليم وتيسيره بما يتوازن مع موازنات الأسر والنهوض بالبنى التحتية والمرافق العامة وإعادة الاعتبار جديا للمؤسسات والقانون بما يفضي إلى تكامل في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية وفي إنتاج مناخ استثماري حقيقي وهذا ما يستدعي من الدولة وأصحاب القرار وفعاليات مجتمعنا المدني إرساء رؤية وبرنامج متكاملين تصب كل الجهود في إطارهما. وفي الختام كانت كلمة الرئيس التنفيذي لمجموعة الاقتصاد والأعمال رؤوف أبو زكي الذي أكد أنه رغم الظروف الاستثنائية التي تمر بها المنطقة تمكنت المجموعة من تنظيم عدة مؤتمرات هذه السنة. لافتا إلى أنه هذه الدورة من المنتدى تنعقد في ظل حراك شعبي غير مسبوق يستهدف تحقيق الإصلاح والتعددية السياسية والحد من الفساد وتحقيق التنمية المتوازنة بين الفئات والمناطق. وعلى الرغم من أن هذا الحراك الإصلاحي يواجه صعوبات هنا أو هناك لكن المؤكد أن العالم العربي مقبل على تغييرات كثيرة وإن كان علينا الانتظار بعض الوقت لتبين ملامح الوضع الجديد وما سيترتب عليه من نتائج سياسية واقتصادية واجتماعية. وشدد على أن الوضع الأمني في بعض البلدان ومناخ الترقب في بلدان أخرى أديا إلى تباطؤ حركة الاستثمار والتبادلات كما أن الأحداث العاصفة التي نشهدها تركت آثارها البعيدة على الاقتصاد والذي سيكون في حاجة إلى عناية كبيرة لاستعادة وتائر نموه. والتحدي الأهم أمام الحكومات العربية الآن هو القدرة على تحقيق النمو وتعميمه وتوفير فرص العمل والتأخر في تحقيق هذه الأهداف سيبقى أحد أهم أسباب زعزعة الاستقرار ومناخ الاستثمار وحركة الأعمال. ثم قام رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة ممثلا راعي الملتقى رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري بتسليم "جائزة الريادة في الإنجاز" التي تمنحها مجموعة الاقتصاد والأعمال سنويا إلى وزير الاقتصاد والمالية القطري يوسف حسين كمال ورجل الأعمال السعودي الشيخ محمد حسين العمودي ونائب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي للشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) المهندس محمد الماضي كما شمل التكريم مؤسس مجموعة الخرافي الكويتية الراحل ناصر الخرافي بشخص نجله مرزوق ناصر الخرافي..كما قام الرئيس السنيورة بقص شريط المعرض المرافق للمنتدى وتجوّل مع الحضور في أجنحته. // انتهى //