وليد ابو مرشد حتماً إن المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني عاجزة عن ضبط سوق المراكز والمعاهد التدريبية، وعاجزة أيضاً عن تقديم حلول ومقترحات لعلاج حالة الفوضى التي وصلت إلى النصب والاحتيال والتزوير، والبيع والشراء للشهادات، واعتمادها من مركز دولية وهمية، والضحية هو المواطن البسيط الذي أراد أن يؤهل نفسه، ويستثمر في قدراته، ولكنه تفاجأ أن شهاداته غير معترف بها، ولا يمكن أن تجديه نفعاً في طلب وظيفه، أو تحسين موقعه على رأس العمل. وأمام هذا الصمت المخجل للمؤسسة، والعاجز عن المواجهة، أو حتى التبرير الإعلامي المعتاد لحالة الفشل المتكررة؛ لا بد أن تتدخل جهات أخرى تتضامن وتنسق وترفع توصياتها لضبط السوق المفلوت، تنظيماً، ونظاماً، وعقوبة تصل إلى حد التشهير، وإغلاق المنشآت المخالفة بالشمع الأحمر. مؤسسة التدريب التقني والمهني «عاجزة» و«صامتة» عن فوضى السوق..ولا تزال تبرر الفشل! "الرياض" تناقش في هذا التحقيق الواقع المر، أو المرير لسوق المراكز والمعاهد التدريبية، وبيع الشهادات بمبلغ وقدره، من دون مراعاة لنظام، أو احترام لرقيب، مع استدراكنا أن هناك معاهد ومراكز تدريب مميزة، وذات جودة عالية، ولكن لم تجد من يحمي مصداقيتها، وقدرتها على تحقيق الأهداف التنموية من الاستثمار في العنصر البشري. شهادات وهمية في البداية كشف "إبراهيم الرمضي" -مدير عام معهد التدريب الإبداعي- عن وجود تلاعب في شهادات التدريب من بعض المعاهد أو المراكز، خاصة تلك التي تستأجر مكتبا مكونا من غرفتين ومدخل ودورة مياه في أي سكن تجاري (عمارة)، ويصبح مركزا تدريبيا معتمدا ومسجلا، ويستضيف مدربين من داخل المملكة أو من الخليج، وربما من الخارج بالتعاون مع معاهد لها مكانتها واسمها القوي، مشيراً إلى سهولة وصف المدرب لنفسه بالمدرب الدولي أو المعتمد؛ لأن بإمكانه الحصول على الشهادة من الإنترنت (أون لاين)، وتصل حتى باب منزله بالبريد، وهي شهادة رسمية معتمدة وموثوقة لمدرب محترف، وهي بالمقابل ذات الشهادة التي أحصل عليها حين أسافر إلى مصر أو الأردن أو بريطانيا أو الولاياتالمتحدة، وأدفع تكاليف السفر والفندق مع رسوم التسجيل للدورة، ثم أجد أن الشهادتين بالمستوى نفسه، رغم أن الأولى تم الحصول عليها من الإنترنت دون عناء السفر ومشقته أو دفع تكاليفه مع رسوم الدورة. الدخيل: يستأجرون غرفة في أمريكا أو كندا للتمويه على المتدربين وقال:"هذه ليست إشكالية إذا كان المتدرب حصل على أية شهادة ومن أي مكان؛ لأن الجمهور هو من يحدد مستوى المتدرب ومدى تأثيره من خلال التقييم الذي يُعتمد نهاية كل دورة من قبل المتدربين، والتي غالباً ما يحصل عليها هؤلاء على نسب منخفضة في التقييم رغم شهرتهم، أما الإشكالية التي وجد المدربون لها حلاً هي حصولهم على شهادات من جامعات وهمية أو غير معترف بها إذا كان حصل على الشهادة بمجهوده، لكنها غير معتمدة، وبعضها تكون وهمية والدكتور على علم بذلك؛ فأنا أعتبره غشا وتدليسا على الناس، أما إن كان لا يعلم فهو بالتأكيد ضحية، فالبعض في هذا الوضع بدأ يتلافى الأمر بإزالة (حرف الدال) ليضع قبل اسمه لقب آخر هو المدرب المستشار وغيرها، ولو سألنا بعض الشركات عن كيفية الحصول على شهادة مدرب معتمد من الممكن العمل على تأسيس منظمة على حسب مقدرة كل شخص، وتكون مقراتها في عدة دول مثلاً في كندا، مصر، دبي، الكويت، قطر، والرياض، وتكون الجهة رسمية معتمدة ومسجلة في المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، وتقدم شهادات لكن تصنيفها الدولي غير مصدق أو موثق في الأممالمتحدة في قسم تنمية الموارد البشرية التي تخدم المجتمع في هذا المجال، والمسألة في غاية السهولة لكن أي جهة معتمدة دولياً أو محلياً على حسب الاعتماد وعلى حسب الجهة التي تقدم مدربا محترفا ومدربا معتمدا يقدم برنامجا معينا مثلاً حين الانتهاء منه، ولكن المعضلة أين تحصل فيما بعد على الدعم ما بعد التدريب؟، وهنا يكمن الشرخ بين المدرب المعتمد والمحترف فعلياً الذي يستطيع تقديم الخدمة لك؛ لأنه تحت مظلة رسمية وبين المدرب الذي حصل على الشهادة بمبلغ مالي وقدره؛ فمن الممكن لأي متدرب يراسل أي جهة في الإنترنت ويحصل على شهادة تدريب بمقابل 300 ريال، ولكن عند الحصول على هذه الشهادة هل تكون فعلاً قادراً على التدريب!. الشهراني: وصلنا إلى «سوق سوداء» والبركة في «الرقيب النائم».. وأضاف مجيباً:"نعم ستكون كذلك، لكن ما الذي ستقدمه على المسرح للجمهور، وهل ستترك أثراً فيهم؟، وماذا ستقدم لهم من مخرجات تدريب؟، وهل تملك القدرة على تغيير التوجهات والأفكار والمعارف أو حتى على مستوى السلوك؟، هل تستطيع أن تحدث التغيير"، مشيراً إلى أن الكثير يعدون التدريب مجالاً للثراء السريع، وهو فعلاً يحول أي شخص إلى إنسان ثري بين عشية وضحاها، وأنا رأيتهم أمام عيني كيف يتحولون إلى أغنياء بسرعة البرق؛ لدرجة أن بعضهم يتخلى عن وظيفته الرسمية من أجل المال الوفير، ولكن يبقى السؤال الأهم: هل سيكون هناك تنمية مستدامة من خلال هذه النوعية من المتدربين، ومع فقدان الرقابة على هذه المراكز والمعاهد التدريبية؟. وأشار إلى أن بعض المدربين لا يقنع بالألقاب، مثل كبير المدربين، بل مسميات مختلفة، مثل: مدرب مدربين محترف، أو كبير المدربين، رغم أنه رسمياً له تصنيفات تحت عدة مسميات، مثل: مدرب أو ممارس أو مدرب مدربين، أما المسميات التي يستبدلها المدربون ليس لها أي تصنيف أكاديمي مثل عميد المدربين وغيرها من أجل التميز على الآخرين من المدربين، كما أن مراكز التدريب ذاتها تطبل للمدربين من أجل أن تحظى بعدد كبير من المسجلين لهذه الدورة من المتدربين، وتبدأ حملات ضخمة وواسعة الانتشار لهذا المدرب المشهور. تجارة رابحة! وأكدت "ميرام" -مدربة معتمدة من المؤسسة العامة للتدريب المهني والتقني- على أن معاهد ومراكز التدريب تحولت اليوم إلى تجارة، حيث يستطيع أي شخص دفع مبلغ مقابل الحصول على شهادة، والبعض الآخر يحضر طمعاً في الحصول على شهادات دولية، ولكنه يتفاجأ بعد نهاية الدورة أو البرنامج أنه لا يكون هناك أي شهادة دولية، وإنما مجرد شهادة من المركز التدريبي، كما قد يحصل على الشهادة من الإنترنت (أون لاين). الرمضي: مكتب من غرفتين أصبح مركزاً تدريبياً معتمداً ومسجلاً العمري: اعتمدوا «مراكز عن بُعد» لقطع الطريق على «تجار النت» وقالت:"لا أعرف كيف يتم منح هذه الشهادات عن طريق النت؛ لأني ربما أستفيد من الدورة لكن لا أستفيد من دورة تدريبية؛ كون المدرب لن يرى مهاراتي، ولن أستطيع أن أطبق أمامه"، مبينة أن ما هو مكتوب في إعلان الدورة شيء، وما هو موجود شيء آخر؛ فهناك تلاعب أثناء التسويق للدورات؛ لكسب المزيد من المتدربين. مؤسسة عاجزة! وأوضح الأستاذ "علي بن حامد العمري" -مدرب تنمية بشرية ومستشار أسري- أن المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني لا زالت عاجزة عن مواكبة التقنية الحديثة؛ مما سبب فوضى لا تحمد عقباها في مجال التدريب، خاصة بعد أن أصبح الانترنت التوجه الرئيس للمتدربين لحضور البرامج التدريبية؛ بسبب قلة تكلفتها، كما أصبح التدريب مرتعا خصبا للتجارة؛ نتيجة انعدام الرقابة، مؤكداً على أن هناك عمليات نصب واحتيال في مجال التدريب -بحسب قوله-، مستشهداً برسائل وإعلانات تسوق لدورات تدريبية القائمون عليها غير مختصين، وربما غير مرخصين. وقال:"لا أعلم متى تتحمل المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني كامل مسؤوليتها تجاه التدريب؛ سواء التدريب المباشر أو التدريب عن بُعد -الذي فرض نفسة سواء ضبطته المؤسسة أم لا حيث يساعد أصحاب المعاهد على تسديد الالتزامات التي عليهم-، مستدركاً:"أنا لا أنكر أن هناك معاهد ومراكز تلتزم بأعلى معايير الجودة، طبقاً لما تشترطه منظمات التدريب العالمية، ولكن الأكثرية يقدمون معلومات سطحية لا ترتقي إلاّ أن يكون المدرب يشبه الممثل المسرحي، أو (الاراجوز) الذي يقدم ما يُكتب له من دون أي مهارات"، مشيراً إلى الدولة خصصت ميزانية ضخمة لتدريب وتأهيل العنصر البشري، ولكن المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني لا تضع حلولاً عاجلة لوقف فوضى معاهد ومراكز التدريب، ولم تنشئ قاعدة بيانات في موقعها للمدربين المعتمدين ومجال اعتمادهم وتخصصهم، كذلك اعتماد مراكز تدريبية عن بُعد لقطع الطريق على المتاجرين. إعلانات واعتمادت مضللة وكشف الأستاذ "فواز محمد الدخيل" -المدرب الدولي للتنمية البشرية رئيس خدمة المجتمع للتدريب ومدرب الدوائر الحكومية في دولة قطر لفنون التعامل مع ذوي الاعاقة- عن المغريات الموجودة في إعلانات الدورات التدريبية، وخصوصاً ما تسمى "أون لاين"، ومن ذلك تقديم شهادات اعتماد دولية بما يسمى البورد الامريكي، أو المركز البريطاني أو الكندي وغيرها التي تشكل عامل اغراء للمتدربين المشتركين، حيث إن اعتماد المؤسسة العامة للتعليم التقني والمهني غالباً لا يسمن ولا يغني من جوع، من حيث الإفادة منها للترقية الوظيفية أو حتى الحصول على وظيفة؛ لأنها في النهاية تسمى شهادة حضور دورة تدريبية". وقال إن الإعلان يشير مثلاً إلى شهادات معتمدة من جهة ما في كندا أو بريطانيا، والواقع إما أن يكون موضوع هذه الدورة وبعض محاورها معتمدة كمادة تدرس في تلك الجهة، أو أن هذا المركز لديه اعتماد وفق شروط معينة لتدريب تلك المادة (أشبه بالمنهج الدراسي إذا صح التعبير)، وإما أن يكون المدرب قد حصل على شهادة خبرة من ذلك المركز أو الجهة المعتمدة في الخارج بمضمون الدورة التدريبية، وبالتالي يأخذ تصريح بتدريب هذه المادة التدريبية، ولكن: لا يعني ذلك أن الشخص الذي أخذ هذه الدورة أن يكون معتمداً لدى تلك الجهة الدولية كمدرب أو يعطي تلك المعلومات التي أخذها في الدورة؛ فتلك الجهات لديها معايير معينة اعتمدت في المدرب، ولكن لا يشترط أن تعتمد من اعتمده ذلك المدرب لوجود الفروق والاختلاف لمعايير التدريب عنها. وأضاف من يتابع الواقع يجد الكثير ممن يعلن عن دورات تدريبية معتمدة لدى جهة معينة دولية، والواقع أن كثيراً منهم يستأجرون غرفة أو بيتا في أي دولة (أمريكا، كندا، بريطانيا،..)، ويفتتح موقعاً على النت ويثريه بالمعلومات والزخارف التي تبهر من يطلع عليه، ولو جاء المتدرب، وقال هل أنا معتمد لدى تلك الجهة التي اصبحت في خياله عالمية؟ يقولون له نعم ويدخل ويرى اسمه، ويدفع رسوم الدورة. وأشار إلى أن الطامة الأكبر أن تجد إعلاناً عن دورات، ويكتبون التسجيل في شركة كذا، وهي عبارة عن شركة تسويقية فقط، ونجد هذا منتشراً وبقوة على الشبكة العنكبوتية، والمتتبع يجد أعدادا مهولة لشركات تدريبية لا أصل لها في عالم التدريب، إلاّ المكسب المادي حتى ولو بالخداع والتحايل، مقترحاً إنشاء هيئة رقابة الكترونية تعري أمثال هؤلاء، وتنبه المتدربين ممن يريدون الإفادة العلمية والمهارات الحقيقية مقابل ما يدفعونه من مال لقاء تلك الدورات التدريبية، مستشعرين بذلك الأمانة والمسؤولية كدولة وكمجتمع نحصن ابناءنا وبناتنا من أمثال هؤلاء. سوق سوداء وقال الأستاذ "عايض الشهراني" -مستشار اجتماعي وتربوي وخبير دولي في فن الإتيكيت- إن الوعي في السنوات الأخيرة تنامى بقيمة الإنسان هدفاً ووسيلة في منظومة التنمية الشاملة في كل دول العالم، وبناء على ذلك كان لبلادنا مع تشجيع قيادتنا الحكيمه نصيب الأسد للاستثمار في العنصر البشري، من خلال الاهتمام بالفرد من جهة تعليمه وزيادة خبراته وتأهيله تأهيلاً مناسباً للقيام بكافة مهام حياته الشخصية أو العملية، إلى جانب الترخيص للمعاهد والمراكز التدريبية المتخصصة. وأضاف:"لعل انعدام المظلة التدريبية والراعية لهذه المراكز في بلادنا مع وجود المنافس داخلياً وخارجياً أحدث نوعاً من الاضطراب وعدم الاتزان في عمل هذه المراكز؛ فغياب الرقيب والأمن من العقوبة أديا إلى جعل مجال التدريب والتنمية البشرية في بلادنا سوقاً سوداء يذهب ضحيتها أبناء وبنات الوطن الباحثين عن العمل، أو من منهم على رأس العمل، حيث اصبحوا ضحية للانتهازيين والمحتالين من مراكز تدريبية ومن مدربين ليس لهم تصاريح أو جهة اعتماد محليه موثوق بها"، موضحاً أن بعض المراكز تقيم برامج ودورات غير مقننة لإعداد المدربين كيفما اتفق، وجهة اعتمادات خارجية وهمية، والهدف منها الكسب المادي فقط حتى أصبح عدد المدربين أكثر من عدد المتدربين، وأصبحت تباع الشهادات التدريبية بأسعار تنافسية يحملها صاحبها ويعلن في اليوم التالي أنه أصبح مدرباً عالمياً لا يشق له غبار، ويقحم نفسه في ساحة التدريب وتكون مخرجاته غير مرضية. وأشار إلى أنه شاع مؤخراً دورات تدريبية تقام بالمجان ويكون الحضور بالمئات، ولكن المتدرب يدفع قيمة كل جزء منها كالحقيبة التدريبية والمادة التدريبية، وكذلك يخيّر في مصدر الشهادة إن كان محلياً أم خارجياً، وكل مصدر له سعر معين، وهنا يُستنزف المتدرب وهو لا يعي إلا أن الدورة بالمجان، وهو قد دفع قيمتها اضعافاً، مؤكداً على أن المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني لها نصيب الأسد في هذه الفوضى العارمة، حيث إن بعض المراكز التدريبية انتهت تراخيصها ومازالت تعمل ولا تبالي تحت أي مظلة كانت، حيث نجد الجامعات أصبحت مظلة، والغرف التجارية كذلك، بالإضافة إلى بعض الوزارات مثل وزارة التربية والتعليم. نصائح للمتدربين ونصح "الشهراني" كل من يريد الالتحاق بأي دورة تدريبية أن يطلع على محاور الدورة، والبحث عن سيرة المدرب وقراءتها جيداً، والتأكد من مصداقية الجهة المنظمة للدورة، إلى جانب مراسلة جهة اعتماد شهادة الدورة إن كانت اعتمدت من قبلهم أم لا، والتحقق من اعتماد شهادة الدورة في بلدك إن كنت تسعى للإفادة منها وظيفياً، أما إن كانت للفائدة وزيادة الرصيد المعرفي واضافتها للسيرة الذاتية فلا بأس، كما يجب على المتدرب أن يعي أن الدورات التي تكون شهاداتها اختيارية من أكثر من جهة فهي مسألة بيع وشراء، كما أن الدورات التي يكون لها أكثر من جهة اعتماد فأعلم أنها عديمة المصداقية، ومن النصائح أيضاً أن يعرف المتدرب ماذا سيحصل عليه بعد الانتهاء من الدورة وماذا ستضيف له، وأن لا يتردد في سؤال أهل الخبرة إذا احتار.