آخر تحديث للمقالة بتاريخ : 11 أبريل 2017 الساعة : 1:22 صباحًا رؤيتنا 2030 والتنمية المستدامة تقول الحكمة "إذا أردت أن تحصد سنة فازرع قمحاً ، وإذا أردت أن تحصد لعشر سنوات فاغرس شجرة، وإن أردت أن تحصد لمائة سنة فعلّم الإنسان". . التأمل في كلمات ومعاني هذه الحكمة العظيمة يوصلنا إلى قاعدة مهمة مفادها أن هناك علاقة طردية مباشرة بين التعليم والتنمية المستدامة. وجميعنا يعلم أن التعليم ينقسم حسب كيفيّته إلى نوعين: تعليم تقليدي كمّي يهدف إلى تعليم القراءة والكتابة والحساب والعلوم لأكبر عدد من الطلاب، وتعليم عصري نوعي يهدف إلى تعليم الطلاب أكبر قدر من الأفكار الإبداعية والمهارات الإبتكارية. . فالتعليم النوعي -المُستهدف من أفضل أنظمة التعليم في الدول المتقدمة- يؤدي دائما إلى مخرجات نوعية تكوّن رأس مال بشري نوعي مؤهل ومتمكن، في حين لا يُنتج ذلك التعليم الكمّي السائد في أكثر الدول النامية إلّا مخرجات ذات تأهيل علمي ومهني ضعيف…وشتان ما بين هذين المخرجين!! . وإذا كنا نعلق آمالا عريضة على رؤيتنا الوطنية 2030 في تحقيق التنمية المستدامة لوطننا المملكة العربية السعودية، فلا بد أن نعلم يقينا أن نجاح هذه الرؤية وتحقيق أهدافها الرئيسة -بالشكل الذي تطمح إليه قيادتنا ونطمح له كمواطنين -يعتمد وبشكل أساسي على العنصر البشري المؤهل علميا ومهنيا والقادر على تحويل تلك الرؤية الحالمة إلى إنجازات إبتكارية وقفزات هائلة على أرض الواقع. . فمهما كانت أهداف هذه الرؤية براقة في عيوننا، لا يمكن تحقيقها بالشكل الذي نحلم به في ظل وجود كادر بشري تقليدي ينقصة التأهيل النوعي ويفتقر إلي المقومات اللازمة للإدارة في عصر المعرفة، يتحكم بالقرار في أغلب مؤسسات الوطن؛ في الوقت الذي تُصنّف فيه السعودية بأنها دولة "فتيّة" لأن غالبية سكانها من فئة الشباب. . فطالما هناك علاقة تبادلية قوية بين التعليم وتكوين رأس المال البشري من ناحية، وبين كفاءة رأس المال البشري والتنمية المستدامة من ناحية أخرى، فإن التعليم النوعي هو الحل الوحيد والوسيلة الناجعة التي يمكن بواسطتها إعداد العنصر البشري الكفء وإكسابه المهارات الإبداعية والقدرات الإبتكارية اللازمة لمتطلبات عصر العولمة. والعنصر البشري المؤهل بالتالي هو من يستطيع -بما يمتلكه من معرفة وقدرات فارقة- تحقيق التنمية المستدامة بمجالاتها الرئيسية: التنمية الاقتصادية، وتنمية الموارد الطبيعية والبيئية، والتنمية الإجتماعية. . وإذا أعتبرنا تجربة المملكة العربية السعودية في برنامج الإبتعاث الخارجي للطلاب السعوديبن-الذي أُقر في عهد المغفور له بإذن الله الملك عبدالله بن عبدالعزيز ولا يزال-خطوة صحيحة في إتجاه التعليم النوعي، فإن هذه المبادرة لا تكفي بحد ذاتها لتحقيق التنمية المستدامة للوطن لسببين!! . أول هذه الأسباب يكمن في عدم وجود تكامل حقيقي بين سياستي التعليم العام والتعليم العالي. فواقع التعليم العام لا يرقى فيما نلمسه ونشاهده إلى ذلك التعليم النوعي الذي يصنع تلك القاعدة الطلابية ذات القدرات الفكرية والمهارات الابتكارية المواءمة لمتطلبات تعليم جامعي متميز. ففلسفة التعليم العام في ظاهرها جودة ونوعية وفي حقيقتها تنظير وتلقين، في الوقت الذي تقوم فلسفة التعليم الجامعي العصري على الممارسة والتجريب والتطبيق. وهنا تظهر الفجوة الكبيرة بين الواقع والمأمول، فما يتلقاه الطالب في المدرسة لا يؤهله ليكون ذلك الطالب المبدع في جامعة عصرية. . ويكمن السبب الثاني في صعوبة تحقق التنمية المستدامة المستهدفة من رؤيتنا 2030 في أنه في حالة توفر ذلك العنصر البشري المؤهل الذي قبع سنوات وسنوات يصقل نفسه ويزودها بالمعارف والعلوم داخل مكتبات الجامعات ومعاملها، ويتنقل بين قاعاتها وممراتها خارج أسوار الوطن أو داخلة، قد يُواجه بجيشا من المحاربين القداما، يضعون في وجهه ألف قفل وفي طريقه ألف باب، ويمطرونه عند قدومه للعمل معهم وبينهم بشتى أنواع التعاميم والخطابات البالية التي عفا عليها الزمن ويكبلونه بسيل من اللوائح والأنظمة المحبطة التي أبتكروها وصمموها في حقبة زمنية فائتة لضمان استمرارهم عشرات السنين والحفاظ على مراكزهم من أي تهديد شبابي قادم في المستقبل. . صحيح أن رؤية المملكة 2030 فيها استشراف جميل لمستقبل أجمل، وصحيح أن هذه الرؤية لم تخرج لنا بين يوم وليلة بل أخذت القدر الكافي من الدراسة والتمحيص والتدقيق وكان خلفها مما لا شك فيه نخبة من المتخصصين والخبراء، ولكن المنطق يقول إذا أردت ان تبني بنيانا قويا صامدا ومعمرا لابد أن تضع له أساسا قويا، ويكمن ذلك الأساس المتين لبنيان رؤيتنا في تعليم نوعي عصري يتناسب مع متطلبات المرحلة الراهنة، يُكمّله توظيف أمثل للكوادر البشرية المتميزة، وإحلال تدريجي للقيادات الشابة التي تستطيع بما تملكه من مهارة وحيوية أن تصنع الفارق وتحقق المطلوب متى أُطلق لها العنان، وأتيح لها المكان المناسب والمساحة الكافية في دائرة صنع وإتخاذ القرار. . د.خالد بن ناجي آل سعد "نجران نيوز"