أشادت الحكومة السورية باتفاق الأسلحة الكيماوية الذي توسطت فيه روسيا وجنبها ضربات أمريكية ووصفته بأنه "انتصار" بينما دافع الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن الاتفاق الذي تخشى المعارضة أن يعزز موقف عدوها في الحرب الأهلية. وقصفت الطائرات الحربية والمدفعية التابعة للرئيس السوري بشار الأسد الضواحي التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة مجددا يوم الأحد في حملة قال بعض السكان إنها بدأت الأسبوع الماضي حينما أرجأ أوباما ضرباته الجوية وسط معارضة من موسكو والكونجرس. وقال وزير الدولة السوري لشؤون المصالحة الوطنية علي حيدر لوكالة الإعلام الروسية للأنباء إن الاتفاق الروسي الأمريكي يمثل "انتصارا لسوريا تم تحقيقه بفضل أصدقائنا الروس." ورغم أن حيدر ليس مقربا من الأسد إلا أنه أول مسؤول سوري يعلق على الاتفاق الذي توصل إليه وزيرا الخارجية الأمريكية جون كيري والروسي سيرجي لافروف يوم السبت في جنيف. وتجاوز الوزيران الخلافات بينهما بشأن سوريا واتفقا على دعم برنامج للأمم المتحدة مدته تسعة أشهر لتدمير ترسانة الأسد من الأسلحة الكيماوية. وأدى الاتفاق إلى تأجيل التهديد بشن ضربات جوية الذي أطلقه أوباما بعد هجوم بالغاز السام أودى بحياة مئات المدنيين السوريين يوم 21 أغسطس آب رغم أنه شدد على أن استخدام القوة يظل خيارا قائما يمكن اللجوء إليه إذا أخلف الأسد وعده. ولا تزال القوات الأمريكية في مواقعها. ومازالت روسيا تعارض العمل العسكري ولكنها الآن تؤيد فرض عقوبات من الأممالمتحدة في حال عدم الالتزام بالاتفاق. ورد كيري الذي يزور إسرائيل على الشكوك المتزايدة من جدوى "أكبر عملية نزع للأسلحة الكيماوية على الإطلاق" إذ شدد على أن الخطة قد تنجح. وسعى كيري وأوباما إلى طمأنة الإسرائيليين بأن قرار تعليق ضرب سوريا لا يعني أن إيران يمكنها السعي وراء تصنيع أسلحة نووية دون عقاب. ووافق أوباما على اقتراح نزع الأسلحة الذي طرحه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأسبوع الماضي بعد أن لاقت خطته للقيام بعمل عسكري معارضة في الكونجرس. ويخشى المشرعون من تورط أمريكي جديد ومفتوح في الشرق الأوسط ويشعرون بالقلق من وجود عناصر من تنظيم القاعدة بين معارضي الأسد. ورفض أوباما الانتقادات الموجهة لأساليبه التي تتغير سريعا بخصوص سوريا وقال إن هذه الانتقادات تركز على "الأسلوب" وليس الجوهر. وبينما شكر الرئيس الأمريكي نظيره الروسي لضغطه على "نظام الأسد" لنزع السلاح إلا أنه انتقده لتشكيكه في مسؤولية الأسد عن هجوم الغاز. وقال أوباما ردا على بعض المخاوف – خاصة في إسرائيل – من أن يشجع تساهل الولاياتالمتحدة مع الأسد حلفاءه في إيران على تصنيع أسلحة نووية إن برنامج طهران النووي يمثل له "قضية أكبر بكثير" من غازات الأسد السامة. وأبلغ أوباما قناة إيه.بي.سي "يجب ألا يستنتج الإيرانيون أن عدم توجيه ضربة لسوريا يعني أننا لن نضرب إيران" كاشفا عن أنه تبادل رسائل مع نظيره الإيراني حسن روحاني. وأضاف " من ناحية أخرى ما ينبغي أن يستخلصوه من هذا الدرس هو أن هناك إمكانية لحل هذه القضايا دبلوماسيا." ورغم ذلك تعرض أوباما للانتقادات في الداخل والخارج. وقال جون مكين الجمهوري المعارض في مجلس الشيوخ والمؤيد للتدخل في سوريا إن الاتفاق أعطى بوتين نوعا من النفوذ العالمي لم تتمتع به موسكو منذ الحرب الباردة. وأبلغ قناة إن.بي.سي "لقد منح روسيا مكانة في الشرق الأوسط لم تتمتع بها منذ سبعينات القرن الماضي." وأضاف "نحن الآن نعتمد على حسن نوايا الشعب الروسي… إنها مغامرة كبيرة للغاية." وعبر حتى أنصار أوباما من الديمقراطيين عن قلقهم. وقال السناتور روبرت مننديز إنه في حال لم يف الأسد بالتزاماته "سنعود إلى حيث بدأنا – باستثناء أن الأسد كسب مزيدا من الوقع في الميدان وواصل قتل المدنيين الأبرياء." وقال حيدر إن سوريا ترحب بشروط الاتفاق الأمريكي-الروسي "فمن جهة أنه يساعد السوريين على الخروج من الأزمة ومن جهة ثانية أتاح تجنب الحرب ضد سوريا بعدما حرم هؤلاء الذين كانوا يريدون شنها من حجتهم." واتفق الوزير السوري مع كيري ولافروف في الرأي بأن الاتفاق قد يساعد السوريين على الجلوس على "طاولة المفاوضات ويحلوا مشاكلهم الداخلية في المرحلة التالية." غير أن مقاتلي المعارضة – الذين يصفون التركيز الدولي على الغاز السام بأنه أمر هامشي – رفضوا الحديث عن أن اتفاق الأسلحة قد يقود الى محادثات السلام وقالوا إن الأسد كثف حملته التي تستخدم فيها الأسلحة التقليدية الآن مع انحسار التهديد بشن ضربات جوية أمريكية. وأكد متحدث باسم الائتلاف الوطني السوري المعارض أن الائتلاف يريد من القوى العالمية منع قوات الأسد من استخدام أسلحتها الجوية والدبابات والمدفعية في المناطق المدنية. وكتب شادي حميد من مركز بروكنجز الدوحة في مجلة أتلانتك "الأسد يكافأ في الحقيقة على استخدام الأسلحة الكيماوية… والآن يمكنه أن يفلت من أي شيء تقريبا طالما أنه ملتزم باستخدام الأسلحة التقليدية الجيدة." وجاءت ردود الفعل الدولية على الاتفاق مصحوبة بالحذر. فالحكومات الغربية التي تتوخى الحذر من الأسد وعلى دراية بالسنوات التي قضاها مفتشو الأممالمتحدة الذين خاب أملهم في العراق في عهد صدام حسين أشارت إلى الصعوبات الفنية الكبيرة التي ينطوي عليها تدمير واحدة من أكبر ترسانات الأسلحة الكيماوية في العالم في ظل الحرب الأهلية. وأشادت إيران الحليف الرئيسي للأسد بالتراجع الأمريكي عما وصفته بأنه "تصرف متطرف" ورحبت بما تحلت به واشنطن من "عقلانية". وقالت إسرائيل إنه سيتم الحكم على هذا الاتفاق من خلال نتائجه. أما الصين التي تعارض هي وروسيا الاستعداد الأمريكي لاستخدام القوة في دول أخرى ذات سيادة فقد عبرت عن سعادتها بتجدد دور مجلس الأمن الدولي الذي تتمتع فيه بكين بحق النقض (الفيتو). وأبلغت الحكومة السورية الأممالمتحدة رسميا بأنها ستلتزم بمعاهدة حظر الأسلحة الكيماوية. ويدعو اتفاق الإطار الأمريكي الروسي الأممالمتحدة إلى نزع المخزونات الحالية بحلول منتصف العام القادم. وتعرضت ضواحي دمشق لغارات جوية وقصف وهجمات برية يوم الأحد مما يدعم روايات أنصار الأسد ومعارضيه بأنه عاود شن الحملة بعد فترة هدوء اتخذت فيها قواته مواقع دفاعية تحسبا للضربات الأمريكية. وقال أحد أنصار الأسد من مدينة طرطوس الساحلية "إنه اقتراح بارع من روسيا لمنع الهجمات." وأظهر أحد النشطاء المعارضين في دمشق خيبة الأمل التي تعتري زعماء المعارضة قائلا "مساعدة السوريين تعني وقف إراقة الدماء." وتشير التقديرات إلى أن هجوم الغاز السام لم يودي إلا بحياة المئات من بين أكثر من مئة ألف شخص لقوا حتفهم في الحرب التي دفعت ثلث السكان أيضا إلى الفرار من بيوتهم منذ عام 2011. وتقول روسيا إنها لا تدعم الأسد تحديدا رغم أنها أمدته بمعظم أسلحته في الماضي وإن ما يهمها هو منع خصوم الأسد الغربيين والعرب من فرض إرادتهم على دولة ذات سيادة. وتسلط موسكو مثل الأسد الضوء على دور الإسلاميين المرتبطين بتنظيم القاعدة بين مقاتلي المعارضة. وتقلص الدعم الغربي للمعارضة بسبب وجود هؤلاء الإسلاميين والانقسامات التي نشبت في صفوف المعارضين في حرب أثارت النعرات الطائفية في أنحاء المنطقة. واختار الائتلاف الوطني السوري المعارض أمس السبت إسلاميا معتدلا رئيسا لحكومة في المنفى في خطوة قال بعض أعضاء الائتلاف إنها تلقى معارضة من قوى غربية تريد عقد مؤتمر سلام دولي يجمع بين الطرفين المتحاربين لتشكيل حكومة انتقالية تحظى بالتوافق. وهناك محاولات سابقة لإحياء جهود السلام بدأت العام الماضي في جنيف ولكنها تعثرت بسبب العداوات المريرة بين السوريين. وقال الرئيس المنتخب لحكومة الائتلاف الوطني السوري المؤقتة أحمد طعمة لرويترز إنه يريد تشكيل حكومة يمكنها استعادة النظام في المناطق الخاضعة لسيطرة مقاتلي المعارضة ومواجهة القاعدة هناك. وأمام الأسد أسبوع فقط للبدء في تنفيذ الاتفاق الأمريكي الروسي بتقديم معلومات كاملة عن ترسانته الكيماوية. ويجب على الأسد أن يسمح لمفتشين من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية باستكمال عمليات التفتيش الأولية في مواقع الأسلحة بحلول نوفمبر تشرين الثاني. وينص اتفاق جنيف على أن الولاياتالمتحدةوروسيا ستدعمان آلية للتنفيذ من خلال الأممالمتحدة. لكن شروط هذه الآلية لم توضع بعد. ومن المستبعد أن تؤيد روسيا الخيار العسكري الذي قال أوباما إنه ما زال مستعدا لاستخدامه. وقال الرئيس الأمريكي يوم السبت "إذا فشلت الدبلوماسية فإن الولاياتالمتحدة لا تزال جاهزة للتحرك." وأبلغ الأسد التلفزيون الرسمي الروسي الأسبوع الماضي بأن تعاونه مرهون بإنهاء هذه التهديدات والدعم الأمريكي لمقاتلي المعارضة. ومن المرجح على ما يبدو أن تستطيع موسكو إقناعه بالالتزام بالاتفاق على الأقل في البداية. وبينما شدد لافروف في جنيف على أن الاتفاق لا يتضمن أي استخدام تلقائي للقوة في حال عدم التزام سوريا به قال زعماء غربيون إن الاحتمال القوي لتعرض الأسد للقصف هو فقط ما أقنعه بالموافقة على التخلي عن الأسلحة التي طالما نفى امتلاكه لها واستخدامها. ويعتزم كيري ولافروف الاجتماع مع مبعوث الأممالمتحدة بشأن الأزمة السورية في نهاية الشهر لمراجعة التقدم نحو محادثات السلام. وتحدث لافروف عن مؤتمر سلام دولي يعقد في أكتوبر تشرين الأول. وقال نشطاء معارضون من المرصد السوري لحقوق الإنسان يوم الأحد إن اشتباكات عنيفة وقعت الليلة الماضية في حي جوبر الذي تسيطر عليه المعارضة شرقي وسط دمشق. ورغم ذلك فتحت المدارس أبوابها مجددا يوم الأحد في وسط العاصمة الذي تسيطر عليه الحكومة بعد انتهاء عطلة الصيف في ظل ازدحام حركة المرور وهي علامات أخرى على أن السلطات لا ترى وجودا للتهديد الأمريكي في الوقت الحالي. واستخدم الكثير من المدارس في وقت سابق هذا الشهر لإيواء القوات الذين أخلوا ثكناتهم التي قد تتعرض للضربات الأمريكية. ورحب لافروف وكيري باتفاقهما الذي وصفاه بأنه انتصار للدبلوماسية. وساهمت العلاقة الشخصية بين الوزيرين في كسر بعض الجمود بين البلدين بشأن سوريا والذي يرجع إلى حقبة الحرب الباردة. غير أن منظمة حظر الأسلحة الكيماوية لم تنقل أسلحة عبر الحدود من قبل بسبب ما تنطوي عليه هذه الخطوة من مخاطر كما لم يسبق لها العمل في منطقة حرب.