يُعدُّ الترفيه جزءاً لا يتجزأ في منظومة صناعة السياحة، ورافداً مهماً من روافد الاقتصاد الوطني، كما يُعوَّل عليه كثيراً في إيجاد فرص عمل مناسبة للشباب، إضافة إلى ما له من أبعاد ثقافية واجتماعية أخرى، ومع ذلك فلا يزال هناك تباطؤاً واضحاً من قِبل القطاع الخاص للاستثمار في مجال الترفيه. وأجمع عدد من المختصين على أهمية الاهتمام بهذا المجال، ودعمه بعوامل النجاح اللازمة، وكذلك توفير البيئة المحفّزة للاستثمار فيه من قبل القطاع الخاص السعودي والأجنبي، إضافة إلى تقديم التسهيلات اللازمة، مع إمكانية استيراد عديد من التجارب الخليجية والأوروبية وإخضاعها لتعديلات تتناسب مع القيم والعادات المحلية، مؤكدين على أنَّ صناعة الترفيه في المملكة تحتاج إلى مزيد من التطوير، ما يعني ضرورة بذل جهوداً من قبل الجهات الرسمية لتوفير البنية التحتية المناسبة، مع إيجاد البيئة المحفزة للاستثمار من قبل القطاع الخاص، والتسهيل في الإجراءات، وذلك لما لهذه الصناعة من آثاراً ايجابيةً، وعوائد ماديّة للمجتمع على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. صناعة الترفيه وقال «د.عبدالوهاب بن سعيد القحطاني» – عضو هيئة التدريس بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن -: إنَّ الإنسان يحتاج للترفيه الذي يجدد نشاطه؛ ليعود للعمل برغبة متجددة، مُشيراً إلى أنَّ الإنسان الذي لا يعمل يحتاج أيضا للبعد عن النمطية في حياته من خلال الترفيه، مؤكداً على أنَّ الترفيه أصبح اليوم صناعة اقتصادية أساسية، تجلب الخير والعائد الاستثماري الواعد للمستثمر، لافتاً أنَّه لا يمكن أن تقوم صناعة الترفيه من غير مستثمرين على المدى الطويل، بل وحتى على المدى القصير، مبيناً أنَّ هناك ارتباطاً قوياً بين صناعة الترفيه، والسياحة، وغيرها من الخدمات المساندة، كالاتصالات، والمواصلات، والمعلومات، وكذلك خدمات الفنادق، والإرشاد السياحي. وأضاف أنَّ أوجه الترفيه ووسائله ونماذجه قد تنوعت بتقدم الحضارة الإنسانية، وتوسع مجالات الأعمال، والمنافسة بين الدول؛ لإثراء اقتصاداتها، مُضيفاً أنَّ الإبداع، والابتكار، والمبادرة، وريادة الأعمال باتت دوافع قويةً للتطور في مجال الترفيه، والصناعات الأخرى المرتبطة به، مُشيراً إلى أنَّ التكنولوجيا ساهمت في تنوع الترفيه ووسائله، خاصة تكنولوجيا الاتصالات، والتواصل الاجتماعي، والمواصلات، مُبيناً أنَّ الترفيه في عصر العولمة أصبح يمر بتطورات مختلفة بعضها خرج عن المألوف والقيم الدينية والاجتماعية في كثير من دول العالم، ومنها الدول الصناعية المتقدمة المدفوعة برغبات شعوبها في التحديث والتجديد. وأشار إلى أنَّ الترفيه ووسائله في المملكة محدودة جداً لأسباب عديدة، منها نظرة المجتمع السلبية نحو معظم أوجه الترفيه، مُضيفاً أنَّ هناك صراعاً ملموساً بين الموروث القديم، والحداثة، فيما يخص الترفيه بالطرق والوسائل الحديثة، مشيراً إلى أنَّ آراء نسبة كبيرة من التقليديين لا تتوافق حول مفهوم الترفيه، حيث تطغى القيم الاجتماعية ذات الآراء المختلفة على دوافع الحاجة للتحديث والانفتاح في إطار الدين والقيم الاجتماعية الإيجابية، مبيناً أنَّ بعض المفاهيم المغلوطة لدى البعض حول مفهوم ووسائل الترفيه تعد احدى العوائق التي لا تساعد على الاستثمار في صناعة الترفيه، مُشدداً على ضرورة توعية المواطن والمستثمر على حدٍ سواء بأهمية الاستثمار في المؤسسات الترفيهية؛ لما لذلك من دور كبير في توظيف المواطنين بصناعة الترفيه. وقال إنَّ توفر وسائل الترفيه في المملكة سيُبقي الريال السعودي في بلده داعماً للاقتصاد الوطني، حيث أنَّ مليارات الريالات التي تخرج سنوياً من المملكة تفقد الوطن عديد من الوظائف، وتزيد من معدل البطالة، مُضيفاً أنَّ وسائل الترفيه الحديثة والمنضبطة ستعمل على جذب المواطن والمقيم؛ للاستمتاع بالسياحة في المملكة، موضحاً أنَّ المستثمرون السعوديون معنيون بالاستثمار في صناعة الترفيه والسياحة بالمملكة؛ عن طريق إنشاء المؤسسات والشركات الترفيهية والخدمات المساندة، ذاكراً أنَّ من الاستثمارات المغرية إقامة مدن ترفيهية على غرار «ديزني لاند» في الولاياتالمتحدة، وحدائق «بوتشارت»، و»الأعلام الستة»، وغيرها من الأماكن الترفيهية السياحية، مُشدداً على أنَّ المملكة بحاجة كبيرة إلى تطوير البنية التحتية في مجال الترفيه، والسياحة، وذلك يشمل تطوير قطاع الفنادق، والشقق، وكل ما له علاقة بالسكن والمواصلات والاتصالات، مُبيناً أنَّ بناء قاعدة ترفيهية، وسياحية جاذبة في المملكة، بحاجة إلى دعم الجهات الحكومية المعنية، والاستثمار الطويل الأجل من قِبَل القطاع الخاص في هذه الصناعة الواعدة. ضرورة إنسانية وأوضح «د.فهد بن جمعة» أنَّ الترفيه يُعدُّ ضرورة إنسانية لاستمرار الحياة بشكل طبيعي، ومحفز على الإنتاج، مبيناً أنَّ عديداً من المجتمعات اهتمت بالترفيه بشكل أصبح معه هذا المجال السياحي صناعة هامة تُدرُّ على تلك المجتمعات مبالغ طائلة، مُضيفاً أنَّ الاستثمار في مجال الترفيه قد لا يجذب المستثمر السعودي لعدة أسباب؛ من أبرزها أنَّ ما يريده المواطن في بلده هو بنفس الدرجة التي يراها في البلدان المجاورة، والغربية، مُشيراً إلى أنَّ هذا الأمر لا يمكن تحقيقه؛ نتيجة بعض القيود التي في مجتمعنا، لافتاً أنَّ الحل يكمن في إدخال عناصر مهمة في السياحة، ومنها السماح بدخول السينما إلى «المولات»، وإنشاء مطاعم عالمية ترضي رغبات الجمهور، إضافةً إلى بناء فنادق عالية الكفاءة والتصميم، إلى جانب إنشاء قطارات سريعة بين المدن، وإعادة النظر في التكاليف بما يتناسب مع دخل المواطن، خاصة إيجارات الشقق المرتفعة مقارنة بدخل المواطن. وقال إن قيمة ما يخسره السائح السعودي خلال رحلة البحث عن الترفيه في «دبي» أو «البحرين» يعادل (60) مليار ريال، لا يصرف منها داخل المملكة سوى (20) مليار ريال فقط، مُشيراً إلى أنَّ صناعة الترفيه السياحي هي مستقبل السعوديين، وذلك عندما تتوفر العوامل التي تساعد، وتشجع على نجاحها، مشدداً على أنَّها ستجلب آلاف الوظائف للشباب، موضحاً أنَّ هذا القطاع يسمى «المضاعف الاقتصادي» لأنَّ مردوده يعود على كثير من القطاعات الاقتصادية المرتبطة به. هواية لا احتراف وذكر « فضل البوعينين» – كاتب وخبير اقتصادي – أننا مازلنا ننظر إلى صناعة الترفيه بأحادية التفكير دون النظر بشمولية، وبما يتحقق مع الأهداف المرجوة، مُضيفاً أنَّ صناعة الترفيه لم تعد كما كانت من قبل، من حيث التركيز على جانب بمعزل عن الجوانب الأخرى، مُشيراً إلى أنَّ الترفيه يحتاج إلى خدمات سياحية مساندة تشكل فيما بينها منظومة السياحة الجاذبة للسائح من جانب، والمساعدة على جذب الاستثمارات في هذه القطاعات، موضحاً أنَّه يجب ألاَّ نركز على الترفيه بمعزل عن القطاعات الأخرى في السياحة، ومنها الإيواء، والنقل، وكذلك البيئة المتكاملة، إضافة إلى مقومات السياحة الأخرى وفي مقدمتها سياحة التسوق. وقال إنَّ صناعة الترفيه تحتاج إلى قفزة نوعية، مُبيناً أنَّ المدن السياحية المتكاملة -بغض النظر عن حجمها- يمكن أن تكون الخيار الأفضل لتطوير صناعة السياحة الترفيهية محليا، مُشدداً على ضرورة إنشاء مدن سياحية نموذجية، تُطبق فيها الجوانب الترفيهية العالمية كما هو الحال في «ديزني لاند» على سبيل المثال، وتزويدها بمتاجر التسوق الشهيرة، والمطاعم المتنوعة، وكذلك بناء الفنادق بدرجاتها المختلفة، وبُناها التحتية، إضافةً إلى توفير وسائل النقل الخاص كالقطارات، على أن تكون من مميزاتها القرب، وسهولة الوصول إليها، موضحاً أنَّ ذلك كله من السهل تحقيقه على أرض الواقع، مُستشهداً بتجربة «دبي» عندما نقلت فكرة إنشاء مراكز التسوق الحديثة، وأنشأتها على امتداد شارع متخصص، كما أنها بصدد إنشاء مدينة سياحية متكاملة، يتم من خلالها جذب «السواح» إليها، وتوفير كافة احتياجاتهم بداخلها. وأضاف أنَّ الاستثمار في القطاع السياحي الترفيهي مُكلفٌ مادياً، ولا يمكن أن يُترك للقطاع الخاص بمفرده، بل يجب أن تكون هناك شراكة بين الحكومة والقطاع الخاص، بحيث يتولى القطاع الحكومي البُنى التحتية وتهيئة المكان، بينما يتولى المستثمر البرامج السياحية، ومنها مراكز الإيواء، والتسوق، والترفيه، مؤكداً على أنّناَ لانزال نتعامل مع السياحة من الجانب الاستثماري كهواة وليس كمحترفين، مُشدداً على ضرورة البدء من حيث انتهى الآخرون، خاصة الدول الأوروبية، مُقترحاً أن تكون لدينا شركة سياحية مساهمة، وأن تدعم الدولة إنشائها، وتهيئة سُبل النجاح لها، بحيث تتم الإفادة من الخبرات العالمية في القطاع السياحي، والترفيهي، على أن يتم إنشاء «أكاديمية» متخصصة في الفندقة، والشئون السياحية؛ لتوفير الكفاءات الوطنية، إضافة إلى استكمال التشريعات التي تحمي المستثمر في القطاع السياحي من تداخلات الأنظمة، والقوانين الأخرى.