حرية روحي في كل ليلة أرمي بجسمي المثقل بالذنوب والهموم على سريري ، تتعلق عيناي بسقف غرفتي ، يبدأ صراع العقل والقلب ، يبدأ تفكير له آلاف البدايات ، تفكير ليس له أي نهايات ، وتدريجياً تتلاقى جفوني مجبرة ، ليسود الظلام ، يصمت العقل ، يهدأ نبض القلب ، تخف سرعة جريان الدم ، أجهزة الجسم تعمل بأقل طاقة لها ، أتنفس بلطف ، أغرق في النوم أكثر وأكثر ، أموت الموتة الصغرى ، تتسلل روحي من جسدي ، تُغادر سجنها ، سعيدة بحريتها ، تحلق في السماء ، بين النجوم ، كقمر اصطناعي متحرك يصور كل ما تحته . يستيقظ جسدي الميت ، تعود روحي لتسكنه ، في تلك اللحظة أفتح عيني ، وأقوم متثاقلاً متكاسلاً ، لم أكن أعلم لما هذا الكسل والتثاقل ، لما هذا الفتور والتعب ، ولكني الآن أدركت بأن روحي في كل صباح تعود حزينة متألمة غريبة وحيدة ، لأنها في رحلتها كل ليلة تبحث عن روح تأنس بها ، تألفها ، تضحك لها وتبكي معها ، لقد قابلت الكثير من الأرواح ، اتفقت مع بعضها ، واختلفت مع أكثرها ، لكنها لم تجد توأمها ، ثمانية وثلاثون عاماً وروحي في رحلة بحث مستمرة ، تبحث بلا جدوى ، وتعود كل صباح بآلام أقوى ، طالت الرحلة وطالت غربة روحي . قبل عشرة أيام ، عادت روحي لتسكن جسدي ، لأول مرة استيقظ من موتي لأجد أن الحياة أجمل ، كنت أشعر بأن هناك شيء تغير ... شيء تبدل ، كنت أشعر بروحي سعيدة ، روحي متألقة نشيطة ، لا فتور ولا تعب ، لا كسل ولا ملل . روحي في رحلتها الأخيرة وجدت روحاً غير كل الأرواح ، تقابلت معها فوق السحاب ، تهامستا ، وسريعاً تعارفتا .. وسريعاً توافقتا ، حلقتا في السماء معاً ، كانتا تغنيان معاً ، ترقصان معاً ، تضحكان معاً ، وعندما حل الصباح ، وحانت ساعة الفراق ، والعودة للأجساد ، تفارقتا وهما تبكيان ، تواعدتا أن تلتقيا . أيام جميلة مرت سريعة ، كُنت نشيطاً مستمتعاً ، أحسست أن جمال روحي ينعكس على كل من حولي ، كنت أضحك ضحكة غريبة ، عيناي تُشع بأنوار عجيبة . لكن في الأيام الأخيرة بدأتُ أشعر أن روحي لا تريد أن تعود لجسدي ، لقد ملت السجن ، مع كل صباح تعود روحي مجبرة مرغمة ، كسجين يجره سجانوه ليودعوه في زنزانته ، طوال اليوم وروحي حزينة ، لا تفعل شيئاً سوى أنها تنظر من خلال عيوني ، كما ينظر السجان من خلال نافذة صغيرة في أعلى زنزانته ، تنظر لعلها ترى توأمها ، تنتظر ساعة نوم هذا الجسد ، تنتظر غفلة السجان عن سجينه ، هكذا كانت روحي في الثلاثة الأيام الأخيرة ، كل ما تتمناه أن يتم إطلاقها من سجنها إطلاق نهائي لا شرط فيه ولا عودة ، كل ما ترغبه أن يتهدم هذا السجن ، أن يموت هذا الجسد موتته الكبرى ، لتحلق في السماء لتعيش الحرية الأبدية . يا ربي ... يا إلهي متى تحين ساعة موت جسدي ... وحرية روحي ؟!!!! كاتب صحيفة نجران نيوز الالكترونية