خضعت العملية التعليمية في بلادنا للعديد من المحاولات التراكمية ,الباهظة الثمن, بغية تلمس مكمن الخلل الذي ساهم في استمرار تراجعها وإخفاقها في تحقيق الأهداف المرسومة والمرجوة منها. فقد شكلت (بضم الشين) اللجان تلو اللجان وأعدت الدراسات والبحوث وقامت اللجان المختلفة بالزيارات لمختلف بلدان العالم المتقدمة, والرائدة في أساليب ووسائل وطرق التعليم, للبحث عما قد يساعدنا في انتشال تعليمنا من مما يعانيه من ترد وتراجع عجيب طال أمده, حتى أن الكثير من أبنائنا حققوا درجات الدكتوراه في مجالات كانت تهدف التقصي عن أسباب ما تعانيه مسيرتنا التعليمية من جمود. ولكن السؤال الكبير, الذي يستحق التوقف عنده, هل تغير شيء للأفضل, أم أن الواقع المتردي يزداد رسوخا والعقول الجامدة تتكاثر باطراد مع التزايد الكمي لعدد الشهادات الممنوحة؟ وهل ياترى, بعد كل ما تم وما لا زال يتم, من دراسات وأبحاث وعقد لجان وزيارات خارجية وداخلية ثم توصيات, بهدف البحث عن مكمن الخلل المزمن, في جسد العملية التعليمية لدينا, رغم ما تستقطعه الدولة لها من ميزانيات, تعد الأضخم على مستوى العالم, هل يعقل بعد كل هذا الإهدار للجهد والمال والوقت دون نتيجة, أن لا نعترف بأن مكمن الخلل يقع في مكان آخر, وبين ظهرانينا تحديدا؟ وليس بحاجة لا لزيارات خارجية ولا داخلية ولا انتدابات ولا غيرها, إنه وبكل بساطة, متمثل بأعداد كبيرة جدا من المؤدلجين ذوي التأثير, المتغلغلين داخل البنية الهيكلية لمنظومة التعليم, ممن درجوا على العمل بصمت وبتنظيم وتعاون وتنسيق دقيق فيما بينهم لضمان عدم تمرير أي تعديل أو تغيير أو حتى الاستماع لأي توجيه من جهات أعلى, لا يتوافق مع توجهاتهم الشخصية المؤدلجة, خاصة أن الغالبية الأعم منهم يكونوا هم الرؤساء أو الأعضاء للجان المكونة لعمل الدراسات والأبحاث وتقديم التوصيات, ومن هنا كان لمساهماتهم الخفية الأثر السلبي الأول والكبير, في تراجع مسيرة التعليم, وإهدار مقدرات الوطن. إن القائمين على قمة هرم التعليم اليوم, أصبحوا يدركون أكثر من أي وقت مضى, أن مكمن الخلل أصبح مكشوفا وواضحا ,كالشمس في رابعة النهار, وأنه لم يعد من قيمة أو معنى لأي خطط لإصلاح مسيرة التعليم, ما لم يسبقها وعي وإدراك لمكمن هذا الخلل الذي أصبح مكشوفا, وبالتالي التعامل بحزم وصرامة, مع كل المؤدلجين حاملي الفكر الشخصي الضيق, المتمسكين وبإصرار عجيب على تمترسهم في ذات الغرف المغلقة التي لا يعجبهم السماح بالهواء النقي دخولها, وهم بالتالي غير معنيين إن تسببوا بأفعالهم اللامسئولة تلك, المتمثلة في إهدار قدرات الوطن من ضياع أبنائه ,بتكريس تخلفهم, وإهدار مقدراته, وعدم انصياعهم للأنظمة إلا ما يوافق أهوائهم, في سبيل تحقيق ما يؤمنون به من توجهات شخصية ضيقة ووضع كل العراقيل في طريق ما عدى ذلك. وعلى الرغم من كل هذا العبث الذي يرتكبه هؤلاء, فإن مجرد كشف نواياهم يدعونا للتفاؤل, خاصة وأن قرار تعيين سمو وزير التربية والتعليم الحالي كان قرارا موفقا وحكيما, ونحن نشهد بوادر ومؤشرات للتغيير في عهده وسيكون خير من يتعامل مع هكذا خلل لما يملكه من فراسة وإقدام عندما يكتشف أن هناك من يريد العبث بمسيرة التعليم من داخله, والتي يعد العبث بها أخطر من أي عبث لأي مجال آخر إذ أن محاولة إفساد التعليم يعني إفساد العقول وتعطيلها. لذا يبقى حجر الزاوية لأي توجه لإصلاح التعليم, في أن يقتنع القائمون على تطوير التعليم, بأن هناك بين منتسبيه, أعدادا بشرية لا يستهان بها وهي ذات تأثير كبير , تعمل بصمت وفي الخفاء لتنفيذ أجندتها الخاصة, وتستميت في معارضة ما لا يتوافق مع ما تحمله من رؤى شخصية ضيقة مردها فكر مؤدلج, ولم يعد مجالا لعدم اقتناع المسئولين عن التعليم, بعد انكشاف مكمن هذا الخلل, إن أردنا إصلاحا حقيقيا لمسيرة تعليمنا. فقد انكشفت الأوراق ولم يعد ممكنا إخفاؤها, رغم أننا لم نكن بحاجة لانتظار كشفها من خلال تعرفنا على مؤلف لمنهج هذه المادة أو تلك. فالمشهد واضح للعيان, لكن ما خفي كان أعظم, ومصيبة تعليمنا الكبرى كانت تكمن فيما كان خافيا . محمد بن عبدالله آل قريشة كاتب صحيفة نجران نيوز الالكترونية