أكد عدد من أعضاء هيئة كبار العلماء في المملكة على أهمية النقاشات التي يطرحها مؤتمر التكفير المنعقد في المدينةالمنورة في كشف حقيقة التكفير والحلول العملية لهذه الظاهرة الخطيرة وتحدث العلماء عن عدد من المقترحات والحلول كما ناقشوا مشكلة التكفير من وجهة نظرهم. وفي البداية يقول فضيلة الشيخ محمد بن حسن آل الشيخ عضو هيئة كبار العلماء إن الأمة الإسلامية في هذه الأيام تعيش واقعاً مريراً، فقد فشت فيه فتن عمياء ومحن ظلماء، ومن أعظم هذه الفتن خطراً فتنة ذاقت الأمة الإسلامية مرارتها عبر التاريخ، ألا وهي فتنة التكفير التي طال ليلها واشتد ظلامها، فكانت سببا في سفك الدماء وتطاير الأشلاء، وكثرة حوادث العنف والتدمير، والإرهاب والتفجير . واضاف: إن ظاهرة التكفير من الظواهر الخطيرة، نشط دعاتها هذه الايام في الأمة الإسلامية، مما دعا إلى حرص ولاة الأمر وأهل العلم في هذا البلد المبارك على مقاومة هذه الظاهرة ومكافحتها،وبيان السلبيات العظيمة الناتجة عنها. ولقد جاءت نصوص الكتاب والسنة محذرة من تكفير المسلم، ومبينة حرمة دمه، وزاجرة عن هذا الجرم العظيم، والفعل الأثيم،قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا ). وفي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قال الرجل لأخيه :يا كافر فقد باء بها أحدهما، فإن كان كما قال وإلا رجعت عليه) . وأخرج الشيخان كذلك عن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (من دعا رجلا بالكفر أو قال :عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه)، وأخرج الطبراني بسند صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من رمى مؤمنا بكفر فهو كقتله) . إن التكفير له أسباب أدت إلى انتشاره في المجتمعات الإسلامية، فمن ذلك : الجهل : الجهل بأحكام الدين من أعظم أسباب الوقوع في التكفير،فالجهل بالنصوص المحذرة من التكفير والجهل بالأحكام المتعلقة به، والجهل بالأحكام المتعلقة بالدماء والأموال والأعراض،دعا الخوارج ومن بعدهم للوقوع في التكفير، لذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم في وصف الخوارج : (يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) أخرجه البخاري ومسلم . وقال ابن عبدالبر رحمه الله في الاستذكار : (وأما قوله يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم فمعناه أنه لم ينتفعوا بقراءته إذ تأولوه على غير سبيل السنة المبينة له وإنما حملهم على جهل السنة ومعاداتها وتكفيرهم السلف ومن سلك سبيلهم وردهم لشهاداتهم ورواياتهم تأولوا القرآن بآرائهم فضلوا وأضلوا فلم ينتفعوا به ولا حصلوا من تلاوته إلا على ما يحصل عليه الماضغ الذي يبلع ولا يجاوز ما في فيه من الطعام حنجرته)) . إتباع الهوى: فإتباع الهوى دفع بعض الأفراد للانغماس في فكر التكفير،فالتكفيريون لا يرجعون في حكمهم على الناس إلى دليل شرعي صحيح، وإنما يتبعون في ذلك أهواءهم، والله سبحانه وتعالى قد بين في كتابه أن إتباع الهوى سبب للضلال وإتيان الباطل، قال الله تعالى : ( يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله)،ونهى الله عز وجل رسوله عن إتباع أهواء الناس فقال سبحانه : ( وان أحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم ). التأويل الفاسد : التأويل الفاسد للنصوص من أكبر الأسباب الباعثة للوقوع في التكفير، فكل من كفر مسلما بغير حق يزعم أن الأدلة تؤيده على ذلك، والسبب في ذلك أنه أول النصوص على حسب ما يعتقده . كما ذكر العلماء أن سبب وقوع الخوارج في تكفير المسلمين كان سببه التأويل الفاسد، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى : (والخوارج إنما تأولوا آيات من القرآن على ما اعتقدوه، وجعلوا من خالف ذلك كافراً ) . مخالطة أصحاب الأفكار المنحرفة : فكثير من الشباب قد وقع في فتنة التكفير نتيجة مصاحبته لأهل الأفكار الضالة المنحرفة ومجالستهم، وابتعادهم عن العلماء الراسخين في العلم، فيتلقون الفتوى من الجهلة فيضلونهم ويوقعونهم في التكفير، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من سؤال الجهال، وبين أنه طريق الضلال بقوله: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا ) متفق عليه . ونتج عن هذه الفتنة آثار سلبية عظيمة ومخاطر جسيمة، من أهمها : • قتل الأنفس المعصومة التي حرم الله تعالى قتلها بغير حق وقد أجمع أهل العلم على أن قتل النفس بغير حق أكبر الذنوب بعد الشرك بالله عز وجل، قال تعالى : (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذابا عظيما ). الرعب والشغب وزعزعة وزلزلة الأمن والاستقرارنشر الفوضى في المملكة بلاد الحرمين التي تعتبر أكثر البلدان الإسلامية تميزا بالتعلق والتمسك بالدين الإسلامي، ومضرب المثل في استتباب الأمن واستقراره بين دول العالم . الخروج على ولاة الأمر بغير حق والذين نص القرآن على طاعتهم بالمعروف، قال الله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) . الانشقاق ومخالفة جماعة المسلمين سبيلهم قال تعالى: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نولّه ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا). وأضاف آل الشيخ: إذا نظرنا إلى هذه الآثار وعظم خطرها على الأفراد والمجتمعات،كان من المتحتم الكلام عن العلاج النافع لهذه الظاهرة الخطيرة، فمن العلاج ما يأتي : نشر العلم الشرعي : نشر العلم الشرعي النافع المستمد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ووفق ما عليه السلف من الصحابة والتابعين وأعلام الإسلام الراسخين في العلم، والالتفاف حول العلماء الربانيين من أنجح الوسائل لعلاج هذه الظاهرة . الاجتهاد في إصلاح المجتمع : فمن علاج ظاهرة التكفير الاجتهاد في إصلاح أفراد المجتمع وبث حب الدين الإسلامي بينهم والعمل بما يأمر به، ونفي كل ما يتعارض معه، أو يقدح فيه، فبذلك تطمئن النفوس، وتتحد الكلمة،ويجتمع الصف . فتح باب المناقشة والحوار : فالحوار وسيلة نافعة في كبح جماح الأفكار المنحرفة التي سيطرت على كثير من الشباب، وإغلاق باب الحوار يؤدي إلى انتشار هذه الأفكار وسريانها في المجتمع كسريان المرض في الجسد . الابتعاد عن انتقاد ولاة الأمر في المنابر والاجتماعات العامة : فالواجب بذل النصيحة لولاة الأمر بالسر وباللين ؛لأن في انتقادهم علانية إيغارا للصدور وإثارة للحقد عليهم . وقال الشيخ محمد بن حسن: في ختام كلمتي هذه اسأل الله العلي القدير أن يوفق ولاة أمرنا لما يحبه ويرضاه، وأن يديم عزهم وان يكبت عدوهم، وأن يوفق القائمين على هذه الجائزة المباركة لكل خير وأن يبارك في جهودهم.إنه سميع مجيب . من جهته قال فضيلة الأستاذ الدكتور علي بن عباس بن عثمان الحكمي عضو هيئة كبار العلماء عضو المجلس الأعلى للقضاء، ان المجتمعات الانسانية والكيانات البشرية شأنها شأن جميع الكائنات الحية، يصيبها من الأدواء والأمراض ما يلحق الاذى بها وبمكوناتها مما يتسبب في ضعفها وهزالها، او هلاكها . وكما أنه لابد لكل مرض أو داء ببدن الإنسان أو الحيوان من دواء يخفف ألمه أو يزيله كذلك لابد لكل أدواء وأمراض المجتمعات من علاج بأدوية كذلك . وكما أن علاج الأبدان لا يكون شافياً – بإذن الله – إلا إذا شُخص المرض والداء تشخيصاً صحيحاً، وعرفت أسبابه، وكذلك علاج المجتمعات مما يصيبها من أدواء فكرية وسلوكية تخرجها من منهج الاستقامة لا يكون شافياً ومجدياً إلا بمعرفة أسباب ما يعتريها من تلك الأدواء، وقد برزت في عصرنا الحاضر (ظاهرة الإرهاب ) وتولى كبرها شواذ ممن ينتسبون إلى الإسلام، ويزعمون أنهم حماته والمدافعين عنه . وكان بذلك أسوأ الأثر على الإسلام بتشويه صورته، وتنفير الناس منه، كما كان له الأثر السيء على المجتمعات الإنسانية، وفي مقدمتها المجتمعات الإسلامية من ترويع الآمنين، وإزهاق الأنفس، وتخريب المكتسبات المادية والمعنوية مما جعل تلك المجتمعات تصرف جهوداً وأوقاتاً وأموالاً طائلة لمكافحة هذه الظاهرة المنكرة، بدلاً من صرف ذلك في تنمية المجتمعات واستقرارها ورفع مستوى معيشتها. وقد اختلفت طرق وأساليب الدول في مكافحة الإرهاب، وأكثرها غلبت الجانب الأمني في ملاحقة عناصر تلك الفئات لتصفيتها أو الحد من حركتها وهذا – وإن كان جانباً مهماً بمكافحة هذه الظاهرة – لكنه بمثابة إزالة الجزء الظاهر من الورم السرطاني دون استئصاله، والقضاء على جرثومته وفيروسه وخليّته المسببة له ومن هنا سلكت المملكة العربية السعودية منذ بروز هذه الظاهرة مسلك الطبيب الماهر في معالجة الحالات المرضية التي بين يديه، وذلك باتخاذها الوسيلتين الأساسيتين في معالجة أي مرض حسي أو معنوي . إحداهما – التخفيف من آثاره والحد من انتشاره، وهذا هو الجانب الأمني، الذي نجحت به نجاحاً ملحوظاً. والوسيلة الثانية – وهي الأهم في القضاء على هذه الظاهرة، -على المدى البعيد – وهي محاولة التعرف على أسباب تلك الظاهرة ودوافعها والعمل على علاجها، وتبصير الناس بها سواء من وقعوا فيها للعدول عنها، أو غيرهم ليكونوا على بينة فينبذوها ويحذروا الآخرين من الوقوع فيها، ولا شك أن أهم أسباب الإرهاب هو ظاهرة التكفير، التي انتشرت في أوساط بعض المنتسبين إلى الإسلام، والزاعمين بأنهم حماته والمدافعين عنه . ولقد أدرك القائمون على جائزة نايف بن عبدالعزيز آل سعود العالمية للسنة النبوية والدراسات الاسلامية المعاصرة أهمية هذا المسلك بعلاج الارهاب، بالتعرف على أهم مسبباته وهي ( ظاهرة التكفير ) فدعت – بتوجيه من راعي الجائزة، وهو الخبير في مكافحة ذلك الداء الخطير – دعت إلى إقامة مؤتمر عالمي يعقد في المدينةالمنورة لتدارس ظاهرة التكفير ليشارك فيه أهل العلم والخبرة بعلمهم وخبرتهم لتشخيص هذه الظاهرة تشخيصاً دقيقاً، ثم تقديم الحلول المناسبة لتكون بإذن الله الدواء الناجع لهذا الداء. وأضاف الحكمي: إنني آمل وأتوقع لهذا المؤتمر النجاح الكبير في هذه المهمة الشرعية الإنسانية العالمية لما يتوافر له من أسباب النجاح، لا سيما وأن جامعة إسلامية عريقة متخصصة في الدراسات الشرعية والإسلامية المعاصرة هي جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية مسهمة في إقامته، وسيختار له من قبل هاتين الجهتين الخبيرتين من هم في أعلى درجات العلم والمعرفة لتقديم البحوث العميقة والدراسات المتخصصة. وفي الختام اسأل الله أن يحفظ خادم الحرمين الشريفين الذي وافق على إقامة هذا المؤتمر برعايته وهو حلقة من سلسلة ذهبية من جهوده حفظه الله لترسيخ الأمن والأمان في هذا البلد الطيب، وفي سائر بلدان المسلمين والعالم . ويقول فضيلة الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع عضو هيئة كبار العلماء - عضو الهيئة العليا للجائزة: لقد امتن الله على عباده بنعم عظيمة أهمها دين الإسلام المبني على الوسطية في التكليف والأداء واستهداف المصالح ودرء المفاسد وسلوك مناهج المقاصد الشرعية قال تعالى : «وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس»، وقال تعالى:»اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا» .وقال تعالى في شأن الانتهاج الوسطي: «يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر»، وقال صلى الله عليه وسلم:»إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو». وقال أيضا :»هلك المتنطعون»، قالها ثلاثا تحذيرا للأمة من التنطع والتشدد في الدين». ولاشك أن الغلو في الدين والتشدد في التدين به والتنطع في الدعوة إلى التشدد كل ذلك ينتج الخروج عن مبادئ الدين المبنية على العدل والنصف واليسر ورفع الحرج و التماس الأعذار. ولاشك أن الخروج عن مبادئ هذا الدين الحنيف ينتج الخروج عليه وعلى أهله وعلى ولايته ويبرر للولاة الأخذ على الخارجين بما يستحقون من عقوبات زاجرة ورادعة. وقد كان من مواقف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الخوارج أن جهزوا الجيوش لقتالهم واستباحوا أموالهم ودماءهم حتى قضوا عليهم. وقد سلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم مجموعة من أساليب الردع وفيها التحاور معهم كما كان من عبدالله بن عباس مع الخوارج بتكليف من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فرجع من الخوارج كثيرون إلى صفوف المسلمين. واضاف: لا شك أن الخوارج عنصر عدو للمسلمين كعداوة المنافقين وخطرهم على الأمة الإسلامية أعظم من خطر اليهود والنصارى فأفكارهم أفكار انحراف وضلال وأهدافهم أهداف سوء وفساد وإفساد وعدوان، ومبادئ الخوارج مبادئ ثابتة إلا أن التطلع لتنفيذها يتغير بتغيّر الأحوال والأزمان والنتائج متشابهة خروج على الولاة، إخلال بالأمن، إتاحة الفرص للاعتداء على الحقوق وانتهاك المحارم وعلاجه هو: الأخذ بسياسة الترغيب والترهيب وتكثيف الدعوة إلى البصيرة في الدين وكشف شبهات الغلاة والمتنطعين بتكثيف المحاضرات والندوات والمؤتمرات واللقاءات الحوارية والأخذ بالأساليب الحديثة في حماية الأمن الجنائي والاجتماعي والاقتصادي واستخدام الإعلام المرئي في كشف أحوال وأهداف خوارج هذا العصر وأنهم من المعنيين في قول الله تعالى : «إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتّلوا أو يصلّبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض». عبدالوهاب الفيصل- فهد الجهني- أحمد الامين - المدينة