تعرض الرئيس المصري حسني مبارك طوال سنوات حكمه الثلاثين للعديد من الأزمات، وانتصر عليها جميعا، باستثناء الاحتجاجات التي انطلقت في 25 يناير، وأطاحت به بعد 18 يوما فقط من اشتعالها، وكانت تلك الثمانية عشر يوما من أصعب الأيام التي مر بها طوال حياته، لكن الأصعب مما سبق هو ال12 ساعة التي شهدت انتقاله من مستشفى شرم الشيخ بجنوبسيناء شرقي البلاد إلى ضاحية القاهرةالجديدة بالعاصمة المصرية، حيث جرب ولأول مرة في حياته مذلة ومهانة السجن وهو على سرير المرض، بينما يتابع العالم كله وقائع محاكمته عبر شاشات التلفزيون. حيث بدأت الجلسة الأولى في العاشرة صباحا وانتهت في الثالثة عصرا. مبارك لم ينم وقالت مصادر مطلعة، إن الرئيس السابق حسني مبارك لم ينم ليلته، باستثناء ساعتين فقط استراح فيهما بعد تناول الإفطار في السابعة مساء، وأدى الصلاة في وضع الجلوس على كرسي بالقرب من السرير في المستشفى، وقرأ بعضا من القرآن الكريم حتى الثانية عشرة ليلا، بينما تولت زوجته سوزان ثابت تجهيز ملابسه والاطمئنان على سير عملية انتقاله من المستشفى إلى السجن، بحسب ما نقلته صحيفة "الأنباء" الكويتية. أدى مبارك صلاة فجر يوم 3 أغسطس، ثم ارتدى ملابس السجن البيضاء استعدادا لركوب الطائرة متوجها إلى أكاديمية الشرطة بالقاهرة، لكن الحرس الخاص به أخبره بأنه تم تغيير خطة الخروج من المستشفى في اللحظات الأخيرة، حيث تقرر أن يستقل سيارة إسعاف مجهزة طبيا حتى مطار شرم الشيخ، وليس طائرة مروحية، وأعد مدير أمن جنوبسيناء اللواء محمد نجيب الخطة تحت إشراف مباشر من وزير الداخلية اللواء منصور العيسوي، الذي أبلغ تفاصيلها للمشير حسين طنطاوي رئيس المجلس العسكري. وحسب الخطة، فإنه تم نقل مبارك بسيارة إسعاف عادية من سيارات المستشفى، حيث خرجت ثلاث سيارات في الساعة الخامسة صباحا، كان مبارك يرقد في واحدة منها، وفي مطار شرم الشيخ كانت بانتظاره طائرة هيلكوبتر تابعة لرئاسة الجمهورية، استقلها الرئيس السابق ومعه الفريق الطبي المعالج له، بينما حاصرت قوات من الشرطة العشرات من الناشطين الذين كانوا يعتصمون أمام المستشفى وأبعدتهم عن البوابة الرئيسية. شارد الذهن وكان مبارك في هذا الأثناء شارد الذهن، ولم يتحدث مع أحد من فريقه الطبي منذ خروجه من مستشفى شرم الشيخ وحتى وصوله إلى أكاديمية الشرطة بضاحية القاهرةالجديدة، شمال شرقي العاصمة، لكن المصادر لم تتأكد مما إذا كان صائما أم لا، لكنها رجحت أن يكون صائما، لأنه لا يعاني من أمراض خطيرة تستدعي إفطاره، مثل السكر أو السرطان، أو القلب أو الالتهابات الكبدية، مشيرة إلى أن تقارير وزارة الصحة تشير إلى أن حالته مستقرة، ويعاني من اكتئاب وارتفاع بسيط في ضغط الدم. مبارك عادة قليل الكلام، يسمع كثيرا، ولا يصدر قرارا إلا بعد الاستماع الى وجهات نظر عدة، لكنه في السنوات العشر الأخيرة لم يكن يستمع الا لخمسة أشخاص فقط، هم زوجته سوزان ثابت، ونجله الأصغر جمال، ورئيس ديوانه زكريا عزمي، ورئيس مجلس الشورى السابق صفوت الشريف، وصديقه رجل الأعمال ومصدّر الغاز لإسرائيل حسين سالم، والأخير معروف في مصر بأنه «بنكير عائلة مبارك». فقد تخلص مبارك من المستشارين السياسيين مثل د.أسامة الباز، وسعد الدين إبراهيم، والأخير تحول إلى واحد من أشد المعارضين لحكمه فيما بعد، وتعرض للسجن والتنكيل به. وصل مبارك إلى أكاديمية الشرطة في الثامنة والنصف صباحا، وكانت الأكاديمية تحمل اسم «أكاديمية مبارك للأمن» قبل صدور حكم قضائي بتاريخ 21 أبريل الماضي، برفع اسمه هو وزوجته ونجله جمال من على جميع المنشآت والمؤسسات الرسمية، ومكث في المستشفى الخاص بالأكاديمية لنحو نصف الساعة التقى خلالها مع نجليه علاء وجمال للمرة الأولى منذ القبض عليهما في 13 أبريل الماضي، حيث لم يلتقوا بعضهم طوال الاشهر الأربعة الماضية، حيث كانا محبوسين بسجن مزرعة طرة بالقاهرة، بينما كان والدهما محتجزا في مستشفى شرم الشيخ بالقرب من الحدود الشرقية لمصر مع إسرائيل. وحسب المصادر، فإن لقاء مبارك بابنيه جاء بعد استئذان المحكمة، وعندما دخلا علاء وجمال على والدهما، وهو يرقد على سرير ثابت بمستشفى أكاديمية الشرطة، احتضناه، وقبلا يديه، وبكى علاء الابن الأكبر لمبارك، بينما قال له جمال «سامحني يا بابا»، فيما ظل مبارك متماسكا وشاردا، ولم يتحدث كثيرا، واكتفى بالسؤال عن أحوالهما وصحتهما. اللحظة الأصعب رغم أن لحظة دخول مبارك قفص الاتهام كانت صعبة، لكن الأصعب عليه كان وقوفه ونجليه في قفص واحد متهمين بجريمتي التحريض على قتل المتظاهرين والفساد، وهما تهمتان تصل العقوبة فيهما للإعدام حسب قانون العقوبات المصري. ورغم أن مبارك ظهر متماسكا أثناء المحاكمة، غير أنه كان شاردا أيضا، ولم يكن يتابع ما يجرى من حوله بطريقة جيدة، حيث يعاني من ضعف بالسمع، وكان هذا واضحا أثناء المؤتمرات الصحافية، حيث عادة ما كان يطلب إعادة طرح السؤال عليه، وكان يضع كف يده إلى جانب أذنه من أجل السمع، ظهر أيضا أنه يعاني من تلك المشكلة الصحية، عندما طلب القاضي سماع رده على الاتهامات الموجهة إليه من النيابة،. في الثالثة عصرا بتوقيت القاهرة، وعقب تأجيل جلسة المحاكمة إلى 15 أغسطس الجاري، خرج مبارك على سريره، ونقل إلى المركز الطبي العالمي التابع للقوات المسلحة، وهو المستشفى التي نقل إليه حفيده محمد علاء، عندما سقط من فوق ظهر الحصان قبل ان يتوفى لاحقاً. الاتحاد نت