في دراسة أعدتها سمو الأميرة ملكة آل جربا لنيل الدكتوراة من جامعة "الإمام" القضايا الأمنية احتلت صدارة اهتمامات خادم الحرمين خلال 5 أعوام..
نوقشت مؤخراً في جامعة الإمام رسالة الدكتوراة المقدمة من سمو الاميرة الباحثة ملكة بنت سعود بن زيد آل جربا بعنوان: اتصال القيادة السياسية بالمجتمع السعودي خلال الأزمات، دراسة تحليلية على عينة من خطابات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود خلال المدة من 23/6/1422ه حتى 18/8/1428ه، في ضوء الأسس العلمية لتكوين الرأي العام الوطني.
وذكرت الباحثة انه استنادا إلى استقراء أحداث الحادي عشر من سبتمبر لعام 2001م، وما تمخض عنها من تبعات طالت الأوضاع الأمنية والسياسية والثقافية والاجتماعية في كثير من دول العالم، وفي المملكة العربية السعودية بشكل خاص، سعت هذه الدراسة إلى تحليل خطابات خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، حفظه الله، في ضوء الأسس العلمية لتكوين الرأي العام الوطني أثناء الأزمات، من حيث: مراكز الاهتمام، في الخطاب، واستراتيجيات الإقناع المستخدمة، ومشكِّلات وأساليب الممارسة، وعناصر الاتصال، ومدى الاعتماد على تجزئة الجمهور في توجيه الخطاب. مضيفة إن بذل الجهود العلمية لدعم هذا الجانب من بحوث الإعلام والاتصال، في المملكة العربية السعودية سيتسق بشكل واضح مع اتجاهات التطوير والإصلاح التي تنتهجها المؤسسة السياسية في المملكة بقيادة مباشرة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله ابن عبد العزيز آل سعود، حفظه الله. كما أن هذه الحقيقة تشير إلى أن موضوع هذه الدراسة وهو " خطابات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود وعلاقتها بوسائل الإعلام في ضوء الأسس العلمية لتكوين الرأي العام" تعد دراسة ملحة وجديرة بالعناية والاهتمام، بل ومتفردة في مجالها وموضوعها وتابعت: واستخدمت الدراسة المنهج الكمي في بحوث الإعلام والاتصال، ووظّفت أسلوب تحليل المضمون، لدراسة وتحليل مضامين خطابات خادم الحرمين الشريفين الموجهة للأمة خلال المدى الزمني للدراسة الذي امتد من 23/6/1422ه حتى 18/8/1428ه الموافق من 11/9/ 2001م حتى 11/9/ 2006م. ولا تقتصر هذه الدراسة على التحليل الوصفي للمحتوى، ولكن تتجاوز ذلك إلى استخدام الاتجاه الاستدلالي في دراسات تحليل المضمون. واستخدمت هذه الدراسة "النظام المنهجي لتحليل المحتوى" الذي قدمه محمد عبدالحميد، والذي يعد مجموعة من الخطوات المنتظمة التي تحدد سير العمل البحثي وتحدد عملياته حتى يمكن الوصول إلى النتائج المرجوة. وكشفت الدراسة عن مراكز الاهتمام في خطابات خادم الحرمين الشريفين خلال فترة الدراسة، أن القضايا الأمنية تصدرت اهتمامات خادم الحرمين الشريفين في خطاباته خلال السنوات الخمس التي أعقبت أحداث سبتمبر 2001م بنسبة 27% تليها القضايا السياسية ثم الاقتصادية.
وتأتي هذه النتيجة لتشير إلى مواكبة خطابات القيادة السعودية للأحداث في الفترة الزمنية التي شملتها الدراسة، والتي شهدت مجموعة من الأحداث الأمنية الكبرى التي تأثرت بها المملكة والعالم، ابتداءً بهجمات 11 سبتمبر 2001م ، مروراً بتفجيرات تونس 2002م ، والدار البيضاء 2003م، ومدريد 2004م، وعمّان 2005م ، وشرم الشيخ 2005م ، وانتهاءً بالهجمات الإرهابية التي استهدفت المملكة في تلك الفترة، وأبرزها: تفجيرات الرياض 12 مايو 2003م ، وتفجيرات مجمع المحيا 8 نوفمبر 2003م ، وتفجيرات الوشم 20 أبريل 2004م.
وقد توصلت الباحثة إلى جملة من النتائج المهمة، التي أمكن من خلالها التعرف على أهم السمات والخصائص المتعلقة بالخطاب السياسي السعودي أثناء الأزمات. فقد بلغ عدد (خطابات، كلمات، مقابلات، تصريحات) خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، حفظه الله، التي خضعت للدراسة، 96 خطاباً، كلمة، مقابلة، تصريحا، خلال مدة (خمس سنوات) أي 60 شهراً، بمتوسط 3 خطابات كل شهرين تقريباً، و19 خطاباً كل عام. وغلب الأسلوب الجمعي بنسبة 60% تقريباً من الخطابات التي شملتها الدراسة، في مقابل الأنماط الأخرى للاتصال الإنساني. كما تصدّرت القضايا الأمنية اهتمامات خادم الحرمين الشريفين في خطاباته خلال السنوات الخمس التي أعقبت أحداث سبتمبر 2001م تليها القضايا السياسية ثم الاقتصادية. واحتلت القضايا الأمنية المركز الأول، من حيث المساحة المخصصة لها، تلتها القضايا السياسية.
وكان الاتجاه العقلي هو الاتجاه الغالب في الخطابات التي شملتها الدراسة. غير أن اتجاه الطرح العقلي تركز في القضايا الاقتصادية، بينما تركز الطرح العاطفي في القضايا السياسية، وشكل الطرح المختلط (عقلي/عاطفي) المساحة الأكبر في تناول الخطابات للقضايا الأمنية. من جانب آخر، اعتمد الخطاب الملكي الذي استهدف الجمهور الدولي (الخارجي) على أسلوب الطرح (العقلي) بالدرجة الأولى، ثم الطرح (المختلط). أما في مخاطبة الجمهور الوطني فقد كان أسلوب الطرح (العاطفي) أكثر بروزاً. بينما فضّل اعتماد الاتجاه المختلط في الطرح (عقلي/ عاطفي) في مخاطبته للجمهور (الوطني/الفئوي)، وهم فئات المثقفين والعلماء والمشايخ والأعيان.
وجاءت القيم الشرعية والوطنية في مقدمة القيم المتضمنة في الخطابات، وكانت القيم (الشرعية والوطنية والثقافية الاجتماعية) متضمنة بشكل رئيس في الخطابات التي تحدد نطاقها الجغرافي بالداخل السعودي. في حين برزت القيم (الإنسانية والأمنية والتاريخية) في الخطابات التي تناولت موضوعات تحدد نطاقها الجغرافي بالخارج (الدولي). وأوضحت نتائج التحليل الكيفي للخطابات التي شملتها الدراسة، أنها تضمنت 69 أطروحة مدعمة ب 165 برهاناً أو حجة، توزعت في القضايا المختلفة. وأوضحت نتائج الدراسة أن المرتكزات الدينية الإسلامية احتلت مركز الصدارة في القيم المتضمنة، والأهداف الضمنية، والأطروحات والحجج والبراهين التي تضمنتها الخطابات خلال فترة الدراسة. وكان الجمهور المخاطب في الخطابات التي شملتها الدراسة، جمهوراً وطنياً (عاماً، أو فئوياً) فيما يقارب نصف تكرارات القضايا والموضوعات التي تناولتها الدراسة.
إضافة إلى ذلك، كشفت الدراسة عن جملة من النتائج العامة والتفصيلية عرضتها الباحثة في الباب الثاني من هذه الدراسة، في ستة مباحث، إضافة إلى الخاتمة والتوصيات التي خلصت إليها الدراسة.
واضافت الباحثة ان الدراسة كانت تستهدف تحليل خطابات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز آل سعود، حفظه الله، (خلال المدى الزمني للدراسة التحليلية) في ضوء الأسس العلمية لتكوين الرأي العام الوطني أثناء الأزمات. ومن أجل تحقيق ذلك، سعت الدراسة إلى التعرف على الموضوعات التي تناولتها خطابات خادم الحرمين الشريفين لتكوين رأي عام تجاه الأزمات التي حدثت خلال المدى الزمني للدراسة. (الكشف عن مراكز الاهتمام). وكذلك التعرف على اتجاهات الخطابات (الكشف عن استراتيجيات الإقناع)، اضافة إلى التعرف على طرق التأثير ووسائله المستخدمة في الخطابات (الكشف عن أساليب الممارسة)، وعلى مكونات الخطاب السياسي السعودي لتكوين رأي عام تجاه الأزمات (الكشف عن عناصر الاتصال: دينية، ثقافية، اقتصادية،...)، واخيراً التعرف على الجمهور المستهدف في الخطاب السياسي السعودي لتكوين رأي عام تجاه الأزمات (الكشف عن تجزئة الجمهور).
وفي السياق ذاته، أكدت الدراسة أن مشكِّلات الخطابات تتمثل في أن المرتكزات الدينية الإسلامية احتلت مركز الصدارة في القيم المتضمنة، والأهداف الضمنية، والأطروحات والحجج والبراهين التي تضمنتها الخطابات خلال فترة الدراسة. اضافة إلى القضية التي نالت الجزء الأكبر من الطرح في الخطابات، وهي قضية (التطرف والإرهاب) بأبعادها الأمنية والفكرية والسياسية، ركزت الخطابات في أطروحاتها على الاعتبارات الدينية المؤكدة أن "الإسلام دين السلام والتسامح والوسطية والتعايش" وأن الإسلام برئ من الإجرام وسفك الدماء وقتل الأبرياء، وأن جرائم الإرهاب مناقضة لكل الشرائع والقيم الدينية، وأن التطرف والإرهاب لا صلة لهما بجوهر الثقافة الإسلامية. كما جاء الحضور القوي للاعتبارات الدينية في الخطابات التي شملتها الدراسة، ليشير إلى وعي القيادة السياسية في المملكة بأن المجتمع السعودي ذو مرجعية دينية عميقة تشكل بنيته الأساسية، كما تمثل الجانب المستقر والجوهري من النظام الاجتماعي برمته. ايضاً أكدت أهم العناصر الثقافية المستخدمة في الخطابات على دعم الدولة للانفتاح الثقافي والحضاري، ورفض الاتجاهات المطالبة بالانغلاق وإدانة الترويج لفكرة صدام الحضارات. وتوزعت بقية العناصر الثقافية في توزيع إشارات داخلية وخارجية عن الخطاب الثقافي والإعلامي والدعوي وتأكيد دور التعليم في مواجهة التطرف. كذلك تضمنت الخطابات، طرحاً مباشراً استهدف قضايا فئات وعناصر اجتماعية مختلفة أهمها (المرأة، الطفل، الشباب، الأسرة، الفقراء والمحتاجون). وكانت أطروحات الخطابات في الجانب الاجتماعي تؤكد أن " التغيير التدريجي يحافظ على التوازن الاجتماعي"وأن الخصوصية الاجتماعية في المملكة جزء من الهوية المستمدة من مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، ومن تقاليد الشعب وعاداته وقيمه الأصيله. كما رصدت الدراسة اتساقاً واتفاقاً واضحين بين المحددات الرئيسة والتفصيلية للخطابات في الشأن الاجتماعي من جهة ومقررات النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية، وخاصة في بابه الثالث (مقومات المجتمع السعودي) . وبينت الدراسة أن الجمهور المستهدف في الخطابات كان الجمهور المخاطب في الخطابات التي شملتها الدراسة، جمهوراً وطنياً (عاماً، أو فئوياً) فيما يقارب نصف تكرارات القضايا والموضوعات التي تناولتها الدراسة. كما ركزت الخطابات الموجهة للجمهور الداخلي الفئوي، على أهالي المناطق الوطنية المختلفة التي قام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز رعاهالله بزيارتها، أو استقبل وفوداً منها، وأساتذة الجامعات، والمسؤولين التربويين، والأدباء والمفكرين والمثقفين، والمشاركين في الحوار الوطني، والدعاة والعلماء والمشايخ، وأمراء المناطق ووجهاء المجتمع. ايضاً كان النطاق الجغرافي لنصف الموضوعات التي تناولتها الخطابات تقريباً هو النطاق المحلي (الممملكة العربية السعودية)، في مؤشر واضح على تصدر الشأن المحلي سلّم أولويات القيادة السياسية في السعودية حتى في أوقات الأزمات العالمية.
وتوصلت الدراسة إلى توصيات تحاول من خلالها الدعوة لإضفاء مزيد من الاهتمام والدراسة بموضوع البحث، وإكمال ما قد يكون بحاجة لمزيد من الفحص والدراسة والتحليل. وذلك نظرا للأهمية الكبرى لموضوع الدراسة، وعلاقته بالكثير من القضايا والموضوعات الراهنة والمستقبلية. مثل إجراء المزيد من الدراسات العلمية لفحص العلاقة بين الخطابات السياسية للقادة السياسيين في الوطن العربي، خاصة، وتكوين الرأي العام الوطني والإقلمي والدولي تجاه القضايا والموضوعات المهمة المؤثرة في واقع الحياة اليومية ومستقبلها على الصعد كافة وبخاصة الدينية والسياسية والأمنية والتنموية. اضافة إلى إجراء دراسات علمية متخصصة للكشف عن اتجاهات الشعوب العربية، تجاه العديد من القضايا والموضوعات المصيرية التي يتشكل منها واقعها الثقافي – الاجتماعي، مع الربط بين ذلك والأنظمة السياسية والقانونية التي تحكم مجريات الأمور في الوطن العربي. وكذلك دعوة الهيئات والنظم والمؤسسات السياسية في الوطن العربي لإتاحة مزيد من المعلومات المهمة لدراسة الواقع السياسي في الوطن العربي، باعتبار أن الوصول إلى النضج المطلوب في دراسات الاتصال السياسي في الوطن العربي، لا يمكن أن يتم إلا في أجواء سياسية آمنة تضمن موضوعية البحث العلمي، وتبتعد عن الخوف أو المجاملة. كما أن التأكد من مجمل العوامل والمتغيرات التي تشكل الرأي العام العربي تجاه القضايا والأحداث المهمة، باعتبار أن الرأي العام يمكن النظر إليه باعتباره ظاهرة معقدة يصعب الجزم بتأثرها بعامل واحد فقط. اضافة إلى إفادة منتجي الخطاب السياسي في الوطن العربي والإسلامي من مخرجات هذه الدراسة، باعتبارها أجريت على فترة مهمة جدا في التاريخ المعاصر، وعلى خطابات سياسية لدولة محورية في العلاقات الدولية الحديثة، ولشخصية قيادية مهمة هي شخصية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله.