في ذكرى خالدة لا أنساها عندما حضرتُ مناقشة درجة الدكتوراه لحرم سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود صاحبة السمو الأميرة ملكة بنت سعود آل جربا، وذلك في تاريخ 19 من جمادى الآخرة لعام 1432ه .. فقد اختارت الباحثة في رسالتها عنوان (القيادة السياسية في المجتمع السعودي أثناء الأزمات)، حيث سعت هذه الدراسة إلى تحليل خطابات خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - خلال المدة من 23/ 6/ 1422ه وحتى 18/ 8/ 1428ه في ضوء الأسس التعليمية لتكوين الرأي العام الوطني أثناء الأزمات. واستخدمت الباحثة دراسة المنهج الكمي في بحوث الإعلام والاتصال، ووظّفت أسلوب تحليل المضمون، لدراسة وتحليل مضامين خطابات خادم الحرمين الشريفين الموجّهة للأمة خلال المدى الزمني للدراسة، ولا تقتصر هذه الدراسة على التحليل الوصفي للمحتوى، ولكن تتجاوز ذلك إلى استخدام الاتجاه الاستدلالي في دراسات تحليل المضمون. واستخدمت هذه الدراسة (النظام المنهجي لتحليل المحتوى) الذي قدمه محمد عبد الحميد، والذي يُعد مجموعة من الخطوات المنتظمة التي تحدد سير العمل البحثي وتحدد عملياته حتى يمكن الوصول إلى النتائج المرجوّة. وكشفت الدراسة عن مراكز الاهتمام في خطابات خادم الحرمين الشريفين خلال فترة الدراسة، أنّ القضايا الأمنية تصدّرت اهتمامات خادم الحرمين الشريفين في خطاباته خلال السنوات الخمس التي أعقبت أحداث سبتمبر 2001م بنسبة 27% تليها القضايا السياسية ثم الاقتصادية. وتأتي هذه النتيجة لتشير إلى مواكبة خطابات القيادة السعودية للأحداث في الفترة الزمنية التي شملتها الدراسة، والتي شهدت مجموعة من الأحداث الأمنية الكبرى التي تأثرت بها المملكة والعالم، ابتداءً بهجمات 11 سبتمبر 2001م، مروراً بتفجيرات تونس 2002م، والدار البيضاء 2003م، ومدريد 2004م، وعمّان 2005م، وشرم الشيخ 2005م، وانتهاءً بالهجمات الإرهابية التي استهدفت المملكة في تلك الفترة، وأبرزها: تفجيرات الرياض 12 مايو 2003م، وتفجيرات مجمع المحيا 8 نوفمبر 2003م، وتفجيرات الوشم 20 أبريل 2004م. وكان الاتجاه العقلي هو الاتجاه الغالب في الخطابات التي شملتها الدراسة. غير أنّ اتجاه الطرح العقلي تركّز في القضايا الاقتصادية، بينما تركّز الطرح العاطفي في القضايا السياسية، وشكّل الطرح المختلط (عقلي/ عاطفي) المساحة الأكبر في تناول الخطابات للقضايا الأمنية. من جانب آخر، اعتمد الخطاب الملكي الذي استهدف الجمهور الدولي (الخارجي) على أسلوب الطرح (العقلي) بالدرجة الأولى، ثم الطرح (المختلط). أما في مخاطبة الجمهور الوطني فقد كان أسلوب الطرح (العاطفي) أكثر بروزاً. بينما فضّل اعتماد الاتجاه المختلط في الطرح (عقلي/ عاطفي) في مخاطبته للجمهور (الوطني/ الفئوي)، وهم فئات المثقفين والعلماء والمشايخ والأعيان. وتضمّنت الخطابات، طرحاً مباشراً استهدف قضايا فئات وعناصر اجتماعية مختلفة أهمها (المرأة، الطفل، الشباب، الأسرة، الفقراء والمحتاجون). وكانت أطروحات الخطابات في الجانب الاجتماعي تؤكد أنّ (التغيير التدريجي يحافظ على التوازن الاجتماعي) وأنّ الخصوصية الاجتماعية في المملكة جزء من الهوية المستمدة من مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، ومن تقاليد الشعب وعاداته وقيمه الأصلية. كما رصدت الدراسة اتساقاً واتفاقاً واضحين بين المحددات الرئيسة والتفصيلية للخطابات في الشأن الاجتماعي من جهة ومقررات النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية، وخصوصاً في بابه الثالث (مقومات المجتمع السعودي). وبيّنت الدراسة أنّ الجمهور المستهدف في الخطابات كان الجمهور المخاطب في الخطابات التي شملتها الدراسة، جمهوراً وطنياً (عاماً، أو فئوياً) فيما يقارب نصف تكرارات القضايا والموضوعات التي تناولتها الدراسة. كما ركّزت الخطابات الموجّهة للجمهور الداخلي الفئوي، على أهالي المناطق الوطنية المختلفة التي قام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - رعاه الله - بزيارتها، أو استقبل وفوداً منها، وأساتذة الجامعات، والمسئولين التربويين، والأدباء والمفكرين والمثقفين، والمشاركين في الحوار الوطني، والدعاة والعلماء والمشايخ، وأمراء المناطق ووجهاء المجتمع. أيضاً كان النطاق الجغرافي لنصف الموضوعات التي تناولتها الخطابات تقريباً هو النطاق المحلي (المملكة العربية السعودية)، في مؤشر واضح على تصدُّر الشأن المحلي سلّم أولويات القيادة السياسية في السعودية حتى في أوقات الأزمات العالمية. إضافة إلى إفادة منتجي الخطاب السياسي في الوطن العربي والإسلامي من مخرجات هذه الدراسة، باعتبارها أجريت على فترة مهمة جداً في التاريخ المعاصر، وعلى خطابات سياسية لدولة محورية في العلاقات الدولية الحديثة، ولشخصية قيادية مهمة هي شخصية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله -. فهي السابقة في هذه الدراسة الفريدة من نوعها ومجالها وموضوعها، فقد تركت بصمة لا تمحى للباحثين والراغبين في تكملة مسيرتهم العلمية والتعليمية خاصة في قسم السياسة والإعلام، فقد استحقت بهذه الرسالة درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف، سائلين المولى العزيز القدير أن تكون هذه بداية لخير قادم، وأن تكون أول خطوة في طريق العلم والنجاح.. فهنيئاً لك يا صاحبة السمو وهنيئاً للمكتبة العربية بهذا البحث المميز.