عندما أكتب مقال عن المخدرات لم أكن أستهدف به في الدرجة الأولى مدمني المخدرات، لأني أعتقد أنه ليس من أولويات المدمن الالتفات لهذه المواضيع كونه مشغول عنها بتعاطيه وإدمانه ومشاكله المترتبة عليها فهو إما متعاطي غائب عن الوعي، ولما يدور حوله والبعض مشغول بممارسة سلوكيات انحرافية صاحبت التعاطي وإما أغلب وقته نائم وإما يعاني من آلام الأعراض الانسحابية (القطعة عن المخدر) وبالتالي فهو ليس مستعد لقراءة مقال عن المخدرات، أو فعل أي شيء إيحابي، وإنما يكون شغله الشاغل هو توفير المادة المخدرة ليس إلا، ويصبح أسير التعاطي، بل تتوقف حياته خلال فترة سنوات تعاطيه عن التطور والانجازات، ولم يتمكن من اللحاق بزملائه وأصدقائه وعندما يفيق المسكين من غيبوبته يجدهم قد وصلوا إلى القمة وهو لا زال في القاع، ناهيك عن إهماله لرعاية والديه وأسرته ووظيفته وقد يفقد جميع ما سبق إما بالحرمان أو بالموت بسبب كثرة مكوثه داخل السجن أو في المصحات. إن ما يهمني التركيز عليه في هذا المقال هم الشباب بصفة عامة أو المعرضين للانحراف أو لتعاطي المخدرات تحديداً، وذلك قبل عبورهم في هذا الطريق الشائك والنفق المظلم الذي نهايته إما الجنون وإما الموت، لعلهم يستفيدون من هذا المقال وما فيه من عبر وحتى لا يكونون هم عبرة لغيرهم في يوم من الأيام. إليكم بعض من القصص الحقيقية للمتعاطين التي استمعت إليها مباشرة من المتعاطين أنفسهم وهم يتحدثون عن المرارة التي جربوها من التعاطي، وذلك خلال فترة عملي بمستشفى الأمل بجدة: - لا تكن كالمدمن الذي قلده ابنه وأصبح مدمناً مثله. - لا تكن كالمدمن الذي كان يضع الحشيشة في السيارة فيجدها طفله الذي لم يتجاوز الخامسة من عمره ويأكلها وكاد أن يموت لو لا لطف الله به ثم انقاذ حياته في المستشفى. - لا تكن كالأب الذي كان ينظر من النافذة فجاءته غفوة المخدر والمصيبة أنه كان يحمل ابنه الرضيع بيده مما أدى إلى سقوطه من الدور الرابع جثة هامدة. - لا تكن كالشاب كالذي تعاطى الحشيش في الليل وذهب في الصباح لقسم الشرطة ليسلم نفسه معتقداً أنه قتل زوج أمه وهو لم يقتله أصلاً وكل ذلك لأنه كان تحت تأثير الحشيش. - لا تكن كالذي ألقى بطفله من الدور الخامس لأنه كان في حالة سكر شديد. - لا تكن كالأب الذي خُطبت ابنته الكبرى من شاب صالح وعندما عرف بأن أبيها مدمن مخدرات فسخ الخطوبة (الملكة) وجلست ابنته عنده في البيت حتى بلغت اثنين وثلاثين سنة لم تتزوج. وغيرها الكثير من القصص الواقعية التي راح ضحيتها فلذات كبد متعاطوا هذا الجحيم بل وتهدمت أسرهم بأكملها. بين الدكتور سعد بن عبدالله الهويدي الأسمري، في صحيفة الرياض أن كثير من الدراسات ترى أن هناك علاقة قوية بين المخدرات والجريمة، نابعة من مصدرين رئيسين هما: تغير في الحالة العقلية والمزاجية للمتعاطي وما يحدث نتيجة ذلك التغير من اختلال في وظائف الإدراك والتفكير وبالتالي ضعف السيطرة على ضبط الذات وفقدانها ما يجعل الفرد المدمن يطلق العنان لرغباته وشهواته فيقترف الجرائم دون وازع من ضمير أو خوف من عقاب. اما المصدر الثاني لعلاقة المخدرات بالجريمة فيتمثل في حاجة الفرد الملحة إلى المادة المخدرة، حيث يشعر المريض بضغظ الرغبة الشديدة لتعاطي المخدر الذي تعود عليه، وبذلك يصبح المريض أسيراً لعادته حيث يكون هاجسه الوحيد هو الحصول على المخدر. وقد بينت دراسة قام بها المعهد الوطني الأمريكي لدراسة الإدمان على المخدرات بالولاياتالمتحدة وكانت دراسة تتابعية وكان من أهدافها التعرف على أنماط الجرائم ومعدلاتها لدى مدمني الهيروين، وكان عدد أفراد العينة "243" فرداً وكان من نتائجها أن أفراد العينة ارتكبوا ما يزيد على "45.700" جريمة خلال مدة إدمان دامت حوالي "11" عاماً، وذلك قبل إيداعهم بشكل نهائي في مراكز حجز وعلاج الإدمان، ونرى أن الغالبية العظمى من متعاطي المخدرات يرتكبون أكثر من نوع من أنواع الجريمة، وإن كانوا في الغالب يميلون عادة إلى السير في طريق الإجرام ويزداد سجلهم الإجرامي عندما يصبحون راشدين، ورغم اختلاف النسب بين دراسة وأخرى فقد أثبتت جميع الدراسات على وجود ارتباط بين الجريمة والإدمان، وقد أجريت دراسة في الولاياتالمتحدةالأمريكية على عينة تضمن "345" مدمناً للهيروين لمعرفة مدى علاقة المخدرات بأنواعها وبالجريمة، وقد بينت النتائج ارتفاع معدلات الجرائم وارتباطها ببدء ادمانها على الهيروين، كما تبين الدراسة نفسها ان هناك ارتفاعاً في معدل الجريمة في الأيام التي يتعاطى فيها هؤلاء الأفراد المخدرات، حيث يصل هذا الارتفاع إلى "4" أضعاف ما يقترفونه أثناء الأيام التي لا يتعاطون فيها المخدرات. أما الدكتور عبدالرحمن حماد، مدير مركز انسايت للصحة النفسية وطب الإدمان والمدير السابق لوحدة الإدمان بمستشفى الصحة النفسية بالعباسية، فقد قدم لصحيفة اليوم السابع المصرية معلومة طبية بعنوان الكيف والجريمة وجهان لعملة واحدة .. وأرقام خطيرة تكشف حجم الكارثة كالتالي: (56.7٪) من مرتكبي الجرائم كانوا يتعاطون المخدرات قبل ارتكابهم للجريمة بساعات. (86٪) من مرتكبي جرائم الاغتصاب كانوا يتعاطون مخدر الحشيش. (58٪) من مرتكبي جرائم هتك العرض كانوا يتعاطون مخدر الحشيش. (23.7٪) من مرتكبي جرائم القتل العمد كانوا يتعاطون مخدر الحشيش. (24.3٪) من مرتكبي جرائم السرقة بالإكراه كانوا يتعاطون مخدر الحشيش. (87٪) من الجرائم غير المبررة يأتي تعاطي المواد المخدرة كمحرك رئيسي لها. كما أوضحت العربية نت أن دراسة حديثة بينت أن مدمني المخدرات في السعودية ارتكبوا 217 جريمة خلال عام ، احتلت جرائم العنف والاعتداء على النفس وما دون النفس المرتبة الأولى في الجرائم المرتبطة بالمخدرات في المملكة، تليها الجرائم الأخلاقية، ثم جرائم الاعتداء على الأموال، بحسب ما نقلته صحيفة "الاقتصادية" عن دراسة أصدرها مركز أبحاث مكافحة الجريمة. أخصائي اجتماعي أول ماجستير خدمة اجتماعية عبدالرحمن حسن جان