حماد الثقفي قُمْ للمعلّمِ وَفِّهِ التبجيلاً كادَ المعلّمُ أن يكونَ رسولاً بات شعاراً تردده الألسن، وشهادة عرفان وامتنان لصاحب رسالة سامية شهدت لها الأديان، وسجلت مفاهيمها صفحات التاريخ، ليُنشد له أمير الشعراء أحمد شوقي، مُتعجباً لصُنع الله خير مُعلم، فسبحانه من علَّمَ بالقلمِ القرونَ الأولى، وأخرج هذا العقلَ من ثُبات ظُلماته، وهدايته السبيلا، قائلاً: أعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي يبني وينشئُ أنفساً وعقولاً. أجل إنها عقولاً رسمتها قصة قصيرة للأديب البرازيلي “باولو كويلو” بكلمات خرجت عفوية من طفل حاملةً داخلُها معنى عميق.. وفيها: ” كان الأب يحاول أن يقرأ صحيفة، ولديه ولد صغير يُضايقه.. وحين تعب الأب منه قطع ورقة من الصحيفة لخريطة العالم ومزقها، ثم طلب من الولد إعادة تجميع الخريطة، وعلى الفور عاد لقراءة صحيفته.. مُعتقداً أن الطفل سيبقى مشغولاً بقية اليوم، إلا أنه لم تمر خمس عشرة دقيقة حتى عاد الابن له وقد أعاد ترتيب الخريطة!. فتساءل الأب مذهولاً: هل كانت أمك تعلمك الجغرافيا ؟!، فرد الطفل قائلاً: “لا .. لكن كانت هناك صورة لإنسان على الوجه الآخر من الورقة، وعندما أعدت بناء الإنسان.. أعدت بناء العالم”. قوة وفطانة جعلت الأُممِ تتخذ لتُطورها ركيزة لبناء الإنسان، “عقل الطفل الذي هو معلماً لمن بعده، فما انهارت دول وممالك عُظمى وإمبراطوريات إلا من إهمال الإنسان. ففي دول الغرب يقول المعلمون لطلابهم بداية العام الدراسي، إن فشلتم في مادتي، سأكون أنا الفاشل!، هكذا ينظر المعلم الغربي للطلبة، وهكذا يتعامل مع هذه المهنة الشاقة، التي وصلت لمنزلة الرُسل، فكل عام نحتفل باليوم العالمي لهم محتفين بأجيال منها من يحصد جائزة نوبل، ليكون التكريم لا للطالب بل للمعلم قبلهُ، حينها نقول للعالم: ها نحن هنا .. وقد عرفنا كيف ننهض بأوطاننا، ونحترم الإنسان . فمنذ عام 1994، يتم إحياء ذكرى عطرة، فُعلت بتوصية مشتركة بين مُنظمة العمل الدولية واليونسكو عام 1966، ليحتفل بها أكثر من 100 بلد بفضل منظمة إديوكشن إنترناشونال. التي تدعو إلى اتخاذ موقف لأجل مهنة التدريس يُعنى بتوفير التدريب الملائم، والتنمية المهنية المستمرة، وحماية حقوق المعلمين عبر توفير سبل تعزيزية لرفع قدراته وإمكانياته، لا تحميله أعباء لا علاقة له بها، و إدخاله في دوامة العمل الروتيني، وتحميله وزر تخبط النظام التربوي، الذي يقتل التميز والإبداع وسبل التطوير لديه، مما ينعكس سلباً على أجيالنا. يقول الكاتب الإماراتي سامي الريامي: “في اليابان موقع المعلم يأتي بعد الإمبراطور مباشرة، وهو سر تفوق اليابان العلمي، “.. ولنتوقف هنا نحو مستقبل مُعلمينا في مبادرات 2030 التي تغرس ذلك التقدير بالممارسات العملية، والقوانين الملزمة، وإقرار حزمة من المزايا له، تقوم على بناء فلسفة المناهج وسياساتها، وأهدافها، وسبل تطويرها، وآلية تفعيلها، وربط ذلك ببرامج إعداد المعلم وتطويره المهني. مع تشجيع الإبداع والابتكار، وتنمية الشراكة المجتمعية، والارتقاء بقدرات ومهارات منسوبي التعليم. لذلك جاءت حزم اللوائح الأخيرة مُعدلةً للائحة الوظائف الصادرة منذ عام 1981؛ بهدف تعزيز دور المعلم في العملية التعليمية وتحفيزه معنوياً ومادياً، بالإضافة إلى مكافآت تحفيزية لشاغلي المهام القيادية المدرسية والتربوية، كما رُفعت مكافأة نهاية الخدمة لمن أمضوا 31 سنة فأكثر. إنها محطة تاريخية عمادها الوطني هو المُعلم في عملية التنمية، بربط التعيين بالتأهيل العلمي والمهاري، وربط الترقيات بالجدارة والاستحقاق نظير الكفاءة في الأداء والإلتزام الوظيفي للمعلم، فضلاً عن التمييز الإيجابي للمعلمين المتميزين من خلال رتب علمية مبنية على مستوى الأداء والتطور المهني وتقويم أدائه، ودعم المُتميزين منهم، فضلاً عن تقدير المعلمين العاملين مع الطلبة ذوي الإعاقة. وقفة قصيرة كُن أيها المُعلم/ة معلماً مثقفاً ومبدعاً ومتأملاً ينتمي إلى القرن الحادي والعشرين؛ فما أولادنا وفلذات أكبادنا إلا غراس تعهّدها المعلم بماء علمه فأثمرت وفاضت علماً ومعرفة، فأنتما عنوان نهضة الأمة وتقدمها.. فدمتما حاملين لرسالة العلم، ذائدين عنها في كل محفل وساحة، بل في كل لحظة: وختاماً لشوقي: ما أبعدَ الغاياتِ إلاّ أنّني أجِدُ الثباتَ لكم بهنَّ كفيلا فكِلُوا إلى اللهِ النجاحَ وثابروا فاللهُ خيرٌ كافلاً ووكيلا