أعلنت الحكومة الصينية، الخميس، أنها قدمت احتجاجات رسمية لدى الولاياتالمتحدة، بعد أن منعت الأخيرة هواوي من شراء السلع الأمريكية، في تصعيد كبير للحرب التجارية بين البلدين. بينما تواجه عملاق التكنولوجيا الصينية حصاراً خانقاً، في ظل حملة عالمية، انطلقت شرارتها من الولاياتالمتحدة لتكبيلها، ثم تبعتها القيود البريطانية على الشركة الصينية، امتثالاً لقرار الحكومة الأمريكية بإدراج الشركة الصينية على قائمتها التجارية السوداء. وقال المتحدث باسم وزارة التجارة الصينية كاو فنغ، في إيجاز صحافي أسبوعي، إن "الصين ستأخذ خطوات لمساعدة شركاتها على تحسين قدرتها على التأقلم مع المخاطر". وربما يكون السبب الحقيقي وراء هذه الموجة العدائية، هو تخوف الرئيس الأمريكي من هيمنة الصين على تقنيات الجيل الخامس، وتباطؤ الولاياتالمتحدة في هذا المجال، وهذا التوتر الراهن قد يكون شرارة الحرب التكنولوجية الباردة بين المارد الصيني والقوة الأمريكية العظمى. فيما ذكرت وكالة رويترز، بناءً على مقابلات أجرتها رمع أكثر من 20 مسؤولاً غربياً حالياً وسابقاً، أن الأستراليين كانوا السباقين بالتحرك فيما يتعلق بالجيل الخامس، وأن الولاياتالمتحدة تباطأت في التحرك منذ البداية، وأن بريطانيا، ودولاً أوروبية أخرى ممزقة بين المخاوف الأمنية، والأسعار التنافسية التي تعرضها هواوي. وشرح رئيس إدارة الإشارات بأستراليا مايك بيرغس، في الآونة الأخيرة، السبب في أهمية أمن تكنولوجيا الجيل الخامس، فقال إنه "جزء لا يتجزأ من الاتصالات في قلب البنية التحتية الحساسة في البلاد، من الطاقة الكهربائية، إلى إمدادات المياه، والصرف الصحي". ولدى الأستراليين، منذ فترة طويلة، هواجس تجاه هواوي في الشبكات القائمة، لكن مناورة الجيل الخامس كانت نقطة تحول. وفي تقرير مطول، كشفت وكالة رويترز عدداً من الأسباب التي دفعت الولاياتالمتحدة إلى التحرك ضد هواوي الصينية، على خلفية مخاوف متعلقة بالتجسس، وقلب موازين القوى. ولفهم الصراع الذي تأجج أخيراً، لا بد من العودة إلى أوائل 2018، ففي هذه الفترة، أجرت سلطات أستراليا مناورة رقمية، لتتأكد من القدرة التدميرية التي يمكن إلحاقها بدولة معادية، بعد الوصول إلى شبكتها من الجيل الخامس. وكشفت النتائج، أن شبكة الجيل الخامس تعرض أستراليا لخطر كبير، في حال استهدافها، وهذه المناورة فتحت أعين بلدان أخرى على "الهاجس الرقمي". وبعد 6 أشهر من بدء التجربة، فرضت الحكومة الأسترالية حظراً فعلياً على هواوي، أكبر شركة في العالم لتصنيع معدات شبكات الاتصالات، ومنعتها من الاشتراك في خطط نشر الجيل الخامس. وبعد أن أطلع الجانب الأسترالي، قادة الولاياتالمتحدة على ما توصل إليه، بدأت أطراف أخرى من بينها واشنطن تتحرك لتقييد هواوي. واشتدت الحملة ضد هواوي في الأسبوع الماضي، عندما وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أمراً تنفيذياً يحظر فعلياً استخدام معدات هواوي، في شبكات الاتصالات الأمريكية، لأسباب تتعلق بالأمن القومي، وفرضت وزارة التجارة قيوداً على مشتريات الشركة من التكنولوجيا الأمريكية، فيما علقت شركة غوغل بعض معاملاتها مع هواوي. وقال الجنرال جيمس جونز، الذي تقاعد من سلاح مشاة البحرية الأمريكية ،ومستشار الأمن القومي للرئيس باراك أوباما، إن الحكومة الأمريكية لم تكن تكترث حتى منتصف العام الماضي بالأمر، أما الآن، ف"الأمريكيون يشنون حملة مكثفة لاحتواء هواوي، في إطار مسعى أشمل للحد من قوة بكين العسكرية المتنامية، في عهد الرئيس شي جين بينغ". وتخشى واشنطن، أن تتاح لبكين فرصة لم يسبق لها مثيل، لمهاجمة البنية التحتية الحساسة، وتعريض تبادل معلومات الاستخبارات مع الحلفاء الرئيسيين للخطر، إذا استطاعت هواوي، أن تثبت أقدامها في شبكات الجيل الخامس على المستوى العالمي. ويقول مسؤولون أمنيون غربيون كبار، إن ذلك ربما "ينطوي على هجمات إلكترونية على المرافق العامة، وشبكات الاتصالات، والمراكز المالية الرئيسية". وفي أي صدام عسكري، قد ترقى مثل هذه الهجمات إلى تحول كبير في طبيعة الحرب، وتتسبب في ضرر اقتصادي، وتحدث اضطراباً في الحياة المدنية بعيداً عن ساحات القتال. ومن المؤكد أن الصين نفسها ستكون عرضة لهجمات من جانب الولاياتالمتحدة، والحلفاء. وشكت بكين في وثيقة دفاعية في 2015، بعنوان "استراتيجية الصين العسكرية"، من أنها ضحية عمليات تجسس إلكتروني، دون أن تحدد الجهة المسؤولة. وأعلنت غوغل، الإثنين، توقف الخدمات الأساسية لهواتف هواوي، بعد قيود المبيعات التي فرضتها الولاياتالمتحدة، لكن عملاق التكنولوجيا الصيني يواجه خسارة محتملة لسمات أخرى، إلى جانب الدعم. وبدورها، أعلنت مجموعة الاتصالات البريطانية، أنها ستعلق الطلبات المسبقة لهواتف هواوي من الجيل الخامس، وسط جدل حول المعايير الأمنية المتصلة بتجهيزات العملاق الصيني. كما أفادت وكالة بلومبيرغ، بأن شركات صناعة الرقائق الإلكترونية الأمريكية، إنتل، وكوالكوم، وبرودكوم، أوقفت تعاملاتها مع هواوي امتثالاً للقرار الأمريكي. ويبدو أن الحرب التي تُشن على هواوي لن تقتصر على الشركات الأمريكية، إذ أفادت صحيفة "نيكاي Nikkei " اليابانية، بأن شركة صناعة الرقائق الإلكترونية الألمانية "إنفينيون Infineon"، أوقفت أيضاً شحناتها إلى هواوي. ويرى كثيرون، أن واشنطن هي التي أخذت بزمام المبادرة في الحملة العالمية على شركة "هواوي تكنولوجيز"، عملاق التكنولوجيا التي أصبحت في العقود الثلاثة منذ تأسيسها أحد المقومات الأساسية في سعي الصين لتوسيع نطاق نفوذها العالمي.