تقوم حكومة المملكة بدعم منتجات الطاقة من وقود وكهرباء من خلال تدابير تقوم بها لتصل للمستهلك بسعر أقل ومخفض باعتبارها دولة منتجة للنفط، وتتحمل الفارق للحفاظ على مستوى أسعار تلك المنتجات أقل من مستويات السوق، أو خفض تكلفتها محلياً، وكما هو معلوم فإن زيادة الدعم المتواصل وبكثرة قد يثقل أحياناً كاهل المالية العامة، ويزيد من عجزها، وبالتالي قد يتأثر الاستقرار الاقتصادي في ذلك البلد، وهناك أمثلة لدول منتجة للنفط على أرض الواقع تثبت صحة ذلك، قد تكون فنزويلا إحداها، بينما هناك دول أخرى بدأت باتخاذ خطوات جدية في عملية التصحيح لتدابير دعم الطاقة. الإفراط في استهلاك منتجات الطاقة لرخصها وزهد قيمتها سيسبب مشاكل خطيرة في المستقبل تكمن في أن تلك المنتجات تعتبر موارد غير متجددة (قابلة للنضوب)، ولذلك استنزافها قد يسبب معضلة للأجيال القادمة، كما أن الإعانات للطاقة دائماً ما تشجع الاستهلاك المفرط، الذي بدوره سيزيد من نضوب تلك الموارد، كما أنها تقلل من الحافز للاستثمار في غيرها من أشكال الطاقة النظيفة البديلة، كالطاقة الشمسية، أضف على ذلك التزايد الملحوظ في معدل النمو السكاني الذي سيولد تلقائياً زيادة في الاستهلاك، وهذا سيرفع بشكل تدريجي قيمة فاتورة الدعم لتلك المنتجات، ناهيك عن الأثر الصحي في استخدام تلك المنتجات، حيث إن الترشيد في الاستهلاك قد يحد من تلوث البيئة، ولكن لن أتطرق لهذا الموضوع، فقد يفحمني أحد القراء بأننا دولة مستضيفة للغبار (والعج)، لذا لا مانع من الحصول على قليل من مخلفات أدخنة الطاقة. بحسب تقارير وكالة الطاقة الدولية الصادرة حديثاً، فإن المملكة تنافس على المراكز الأولى بين جميع الدول العربية والعالمية كأكبر دولة داعمة لمنتجات الطاقة، كما تشير بعض التقديرات إلى أن السعودية ستحتل المركز الأول على مستوى العالم مع بداية الخطة الخمسية للتنمية القادمة، إذا ما استمر الدعم في تزايد، وهذا صحيح ولا سيما مع تصاعد النمو السكاني، كما تعتبر المملكة ضمن الدول العشر الأولى على مستوى العالم التي معدل استهلاكها لمنتجات الطاقة أعلى من المتوسط العالمي. هناك عنصر أساسي يلعب دوراً مهماً في زيادة النمو والإنتاجية في الاقتصادي السعودي واستقراره على المستويين المتوسط والطويل الأجل، ألا وهو السياسة المالية المتمثلة في مملكتنا في سياسة الإنفاق الحكومي على التعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية وقطاع الإسكان والمواصلات والاتصالات (الإنفاق الرأسمالي Capital Spending) الذي بدوره سيرفع من إنتاجية العمل (Labor Productivity). لذا عندما تقوم المملكة بدعم منتجات الطاقة فإن تكلفة هذا الدعم تكون عالية جداً، وفي ذلك جزء كبير جداً من العائدات النفطية المخطط إنفاقها على البنية التحتية والتعليم والرعاية الصحية والإسكان وغيرها سيخصص لدفع فاتورة الدعم الحكومي لمنتجات الطاقة، وبالتالي سيصبح لدينا مزاحمة في الإنفاق، حيث إن ذلك سيسبب تباطؤاً وتناقصاً في النمو الاقتصادي للبلد، تدفع المملكة ما يقارب 70-75% من فاتورة التكلفة الحقيقية لأسعار منتجات الطاقة المستهلكة محلياً، كما قدَّرت الأممالمتحدة في إحصاءاتها أن الدعم الحكومي للطاقة في المملكة يُقدَّر بحوالي 10% من الناتج المحلي الإجمالي (68% من ذلك الدعم مخصص للوقود، وحوالي 32% مخصص للكهرباء)، ومن المتوقع أن هذه النسب في تصاعد بسبب العلاقة الطردية بين الدعم والاستهلاك المربوط بالنمو السكاني والعمراني والتجاري للمواطنين والأجانب. من المستفيد من الدعم الحقيقي للطاقة؟ تدابير دعم منتجات الطاقة لغير مستحقيها ستعيق بدون أدنى شك خطط التنمية والإنتاجية الاقتصادية. بعض الحكومات استخدمت سياسة دعم الطاقة من أجل توفير الرضاء للمواطنين (بكل مستوياتهم المعيشية)، وقد يعتبره البعض طريقة لتوزيع الثروة من عائدات النفط، ولكن بالتمعن بشكل دقيق في هذه المعضلة نجد أن الأغنياء هم الفئة المستفيدة من برامج دعم الطاقة.. نعم الأغنياء من مُلاَّك العدد الأكبر من المركبات (السيارات)، أصحاب المصانع، أصحاب شاحنات النقل التجارية، مُلاَّك الفلل الكبيرة وغيرهم لما تحويه من استهلاك كبير للوقود والكهرباء والغاز والتكييف والاستخدامات المنزلية الأخرى، بينما نجد الفقراء أو حتى ذوو الدخل المحدود لا يستفيدون من هذه المنفعة (الدعم) بشكل كبير لقلة العائد منها عليهم.. ببساطة الدعم الحكومي للطاقة تعود منفعته على الغني دون الفقير! حيث إنه طريقة غير مناسبة لتوزيع الثروات على جميع طبقات المجتمع. يجب العمل على تقديم تدابير وخطط تصحيح للدعم الحكومي لقطاع الطاقة بشكل شامل لها أهداف واضحة طويلة الأمد، مع تحديد مكامن تلك الإصلاحات، وهذا بدوره سيساعد كثيراً في ترشيد الاستهلاك والدفع بعجلة النمو الاقتصادي المخطط له، وتوفير بيئة نمو وإنتاجية مستقرة ومستدامة (Growth/Productivity Sustainability). كما أن مراجعة برامج الدعم أصبح أمراً يتوجب القيام به وعدم تجاهله لأن دعم الطاقة يعتبر من السياسات التي يمكن أن تشوه جهود التنويع الاقتصادي التي تسعى له خطط التنمية في المملكة، هناك حلول لعملية التصحيح لبرامج الدعم، ومنها فكرة الإعانات النقدية المباشرة للمستحقين لها وليس كل أفراد المجتمع، كما أن سياسة الإنفاق الجاري Current Spending (المكافآت، برامج الضمان الاجتماعي، الدعم الغذائي، الأجور، وغيرها) قد تلعب دوراً بديلاً للدعم المباشر لمنتجات الطاقة.