فجع المتابعون في مواقع التواصل الاجتماعي بخبر وفاة أفراد تلك الأسرة التي عادت أدراجها من أداء فريضة الحج داعية ربها وراجية منه القبول والأجر والمثوبة، لتلقى حتفها أثناء عودتها على يد مفحط متهور بسرعة جنونية وحالة غير طبيعية ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم. عبدالملك الدحيم وأخواته رحمهم الله ذهبوا في حادث أليم على يد متهور في حالة غير طبيعية يمارس التفحيط وسط غياب أو ضعف رقابي. ليست هذه الأسرة هي الأولى التي تلقى حتفها بهذه الطريقة، فقد سبقهم كثيرون في مناطق مختلفة من ربوع بلادي فرحمهم الله جميعا وتغمدهم بواسع ورحمته. بعد كل حادثة مثل هذه الحادثة أو غيرها من الحوادث التي تقع،غالبا ما يتم تناول القضية باهتمام شديد ممن يهمهم مصلحة الوطن لكي يقدموا ما لديهم من حلول واقتراحات تسهم في علاج القضية دون النظر للعرق أو الجنس أو اللون أو التقسيمات الطائفية والعنصرية أو ما تحققه لهم من سمعة ومصالح شخصية. بعيدا عن تلك الأمور التي لاتهم مصلحة المجتمع والوطن وقبلهما الدين الحنيف أقدم في نقاط قليلة ما أراه مناسبا ولعله يفيد ولو بشيء قليل لعلاج ظاهرة التفحيط. دعونا نتساءل وبكل وضوح ما أسباب هذه الظاهرة؟ لنفكر سويا وبكل هدوء نجد أن الأسباب كثيرة جدا وبعضها ينبثق من البعض الآخر.لكنني أرى أن هناك أربعة أسباب رئيسية تسببت في حدوث هذه الظاهرة سأذكرها وأذكر بعض ما ينبثق منها من قضايا فرعية مع كامل ودي وتقديري لمن يختلف معي فيها كونها رئيسية أو فرعية، ألا وهي البطالة - ضعف المراقبة والعقوبة -أصدقاء السوء - عدم إحتوائها كموهبة ) أولا: البطالة وما أدراك ما البطالة التي ينتج عنها فراغا لا يستطيع العاطل أن يتصرف فيه ويستثمره كله أو بعضه إلا من رحم الله. وإن كان هناك استثمار فهو للبحث عن وظيفة تسد حاجته وتجعله يعيش حياة كريمة وهو استثمار ممتاز ولكنه لا يأتي بالمأمول مرة (أي الوظيفة) من أول مع كل الناس فيصاب الشاب بالتحطيم وعدم الاستقرار نتيجة عدم الحصول على عمل، فيضيق ذرعا بحاله ويصبح في حالة لا توصف من عدم الاستقرار فيسعى بعضهم لإسعاد نفسه بسلوكيات خاطئة في ظل وجود وساوس الشيطان فليجأ للتفحيط مثلا أو غيره من الأمور الخاطئة ويقضي جل وقته فيها في ظل وجود الترحيب الحار جدا به من قبل أهل السوء ومن يريدون إغواء الشباب وجرهم في مهاوي الردى وحرمان الوطن من أعمدة قادمة تحمله. لذا يجب على الجهات ذات العلاقة بشؤون التوظيف استثمار الشباب وتدريبهم وتطويرهم وتحفيزهم وتشجيعهم نحو الإبداع والتميز وفتح أماكن شاغرة جديدة وتكوين فريق عمل حقيقي وليس صوري يعمل على دراسة توظيف الشباب وكيفية فتح الأماكن الشاغرة والتنبؤ بالتزايد العددي للشباب خلال السنوات القادمة وكيفية استثمارهم،فهناك قطاعات شتى في بلادي بها أماكن شاغرة لم تسد ولن تسد في وجهة نظري خلال العشر سنوات القادمة،فهل من مسؤول يهتم بهذه الفئة ويستثمرها لصالح الوطن قبل أن يستثمرها الأعداء ضده؟ ثانيا: ضعف المراقبة والعقوبة من الأسرة أو الجهات ذات العلاقة أو غيابهما دائما أو في بعض الأحيان.وهو من أسباب انتشار ظاهرة التفحيط ويدل على ذلك وخصوصا الجهات ذات العلاقة وجود التنظيمات الجماهيرية للمفحطين والمواكب التي تزفهم إلى ساحة التفحيط بالإضافة إلى انتشار الأسلحة وإطلاق النار في تلك الميادين بعد كل حركة وتلاعب خطر بالسيارة في ساحة التفحيط إضافة إلى تواجد بعضهم في تلك الساحة في حالة غير طبيعية وهنا تكمن الكارثة (محفطون بمرافقين وجماهير ومواكب وأسلحة وحالة غير طبيعية) فماذا تنتظر منهم حينها؟إزهاق الأنفس والخسائر في الممتلكات فقط. ولو كانت المراقبة مشددة لتم القضاء على الظاهرة بشكل كبير ولو كانت العقوبة صارمة ومفروضة على الجميع كائنا من كان لساعد ذلك في القضاء عليها أيضا. لكن المحسوبية لأبناء فئة لمكانتها أو مناصبها على فئة أخرى ليس لها ما للفئة السابقة أو وجود محفط من الجهات المناطة بمكافحة الظاهرة ممارسا لهذه الظاهرة يزيد الطين بلة أو النار إذكاءا إن صح التعبير. ثالثا: أصدقاء السوء وهنا تزداد الكارثة تارة أخرى فأصدقاء السوء يعتبرون بمثابة الأيادي العاملة الخفية لدى المفسدين الذين يتواجدون وبكثرة في ساحات التفحيط ويصطادون فرائسهم من هذه الميادين لاستغلالهم وتدميرهم وجرهم إلى مواطن الهلاك والدمار. الصديق هو الأكثر تأثيرا في واقعنا اليوم والواقع يشهد بذلك لذا اختيار الصديق عامل مهم فهل تعلم الأبناء كيفية الاختيار؟ لا تستغربوا فهناك الكثير لا يحسن الاختيار حتى على صعيد الكبار والأسباب مختلفة وكثيرة. رابعا: عدم احتواء الموهبة وقد يتساءل الكثير هل التفحيط موهبة؟ نعم موهبة بدليل وجود شباب واعٍ مثقف وأحوالهم جيدة جدا ولكن التفحيط استهوى عقولهم وجنوا به جنونا فلم يجدوا مكانا مناسبا يحتوي موهبتهم سوى الشوارع فقط فيلجأون إليها ويمارسون هوايتهم وموهبتهم فيها رغم المخاطر الكثيرة التي تحيط بهم وقد تزهق أرواحهم وأرواح غيرهم. فماذا لو قامت الجهة المناطة بذلك وهي الرئاسة العامة لرعاية الشباب بتوفير البنية التحتية والبيئة المناسبة والآمنة لهولاء الشباب وإنشائها في كافة المناطق؟ ستظهر لدينا مواهب فذة وهواية جديدة يفرغ فيها الشباب طاقاتهم ويستمتع البعض الآخر من عشاقها بالمشاهدة ففي مثل هذه البيئات أمن وسلامة للجماهير والمفحطين ومتعة وتسلية أيضا وحماية لأبناء الوطن من مروجي الفساد من مخدرات وغيرها فهل تبادر الرئاسة بذلك؟ ختاما: كم من زهور متفتحة وأعمدة قادمة للوطن قد فقدت في ساحات التفحيط أو على أيدي المفحطين،وكم من دماء وأرواح أزهقت وكم من أسر حل عليها الحزن لفقد فرد أو أفراد منها فهل أعدنا النظر مجددا للحفاظ على الأرواح وحمايتها؟ هل قامت كل جهة بدورها وكل شخص بدوره؟ خصوصا من يزعجونا بأقلامهم وأصواتهم عن قضايا مصيرية أو يتصيدون أخطاء فئة أو جهاز له بالثوابت صلة؟ أم أن هدفهم تحقيق رغباتهم وشهواتهم فقط؟ بئس ما صنعوا وعملوا، والخير في مملكتنا كثير ورجالها المخلصون كذلك وكلنا أمل في أن تحل مثل هذه القضايا لحفظ أرواح قد يكون لها شأن عظيم للبلاد بدل من تعريضها للخطر وفقدها.